أهداف الحج وآثاره
أهداف الحج وآثاره هي النتائج الروحية والمادية للحج في حياة المسلم، والتي ورد ذكرها في النصوص الدينية. وبحسب ما جاء في القرآن في (الآيات 27 و28 من سورة الحج) فإن فريضة الحج فيه منافع للناس: ﴿وَأَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ یَأْتُوکَ رِجَالًا وَعَلَی کُلِّ ضَامِرٍ یَأْتِینَ مِنْ کُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ ﴿٢٧﴾ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهم ... ﴾ وفي أحاديث الأئمة (ع) الموجودة في النصوص الشيعية؛ تم تفسير هذه المنافع، واعتبارها متضمنة للبركات الدنيوية والمنافع الأخروية. وفي هذه المقالة؛ يتم عرض بعض أهم أهداف الحج وآثاره بناءً على الأحاديث والنصوص التفسيرية الشيعية. ومن بين هذه الأهداف والفوائد: غفران الذنوب، وإصلاح النفس، والتقوى، وتقوية الإيمان، والتولي والتبرّي، مضافاً للمنافع المادية.
التوبة والغفران
ورد عن الإمام الصادق (ع) أنّ السبب الرئيسي لبناء الكعبة هو توبة بني آدم وتطهيرهم من الذنوب.[١] كما اعتبر الإمام الرضا (ع) أن علة تشريع الحج هي الإنابة إلى الله، والتوبة من ذنوب الماضي، وبدء حياة جديدة.[٢] وبحسب إحدى الروايات فإن أحد مصاديق (المنافع) في الآية ﴿وَأَذِّن فی النَّاسِ بِالحْجّ… لیشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [٣]هو عفو الله ومغفرته.[٤]
التقوى
بناء على رواية عن الإمام الرضا (ع) فإن من أهداف الحج وآثاره تزكية النفس وتطهيرها من الصفات السيئة.[٥] وفي حديث عن الإمام علي (ع) فإنّ من مقاصد الحج طرد الكبر من القلوب واستبداله بالتواضع.[٦] وبحسب الروايات فإن الحكمة في تشريع كل واحدة من مناسك الحج أيضاً تزكية النفس.[٧]
ملاحظة: وفي رواية عن الإمام الصادق (ع) فإن الحكمة من ذبح الأضحية هو ذبح الشهوات والطمع، ومن رمي الجمرات إزالة الشهوات والفواحش، ومن الحلق إزالة العيوب الظاهرة والباطنة من الإنسان.
وقد اعتبر القرآن أن غرض تشريع الحج هو تحقيق الإنسان للتقوى ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ … وتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَیرَ الزَّادِ التَّقْوی وَاتَّقُونِ یا أُولِی الْأَلْباب﴾ ،[٨] وقد أشارت آيتان أخريان إلى هذا الهدف أيضاً.[٩] وقد تم التأكيد في الأحاديث على المحافظة على التقوى من وقت الإحرام إلى نهاية المناسك.[١٠]
تقوية الإيمان
اعتبرت الأحاديث أن المراد من ﴿قِياماً لِلنَّاسِ﴾ في الآية ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكعْبَةَ الْبيتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ﴾ [١١]هو إقامة الدين ومعاش الناس،[١٢] ومن هنا فقد اعتبروا أحد أهداف الحج هو إقامة الدين.[١٣] وفي رواية أخرى اعتبر إقامة الدين متوقفاً على إقامة الكعبة.[١٤] وفي روايات أخرى اعتبر الحج راية الإسلام،[١٥] وسبباً لرفعة الدين،[١٦] وتقوية الدين،[١٧] وإصلاح عقيدة الناس.[١٨]
الارتباط الروحي بالقيادة الإلهية (التولي)
أُمر نبي الله إبراهيم (ع) في الآية ﴿وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ...﴾ [١٩]أن يدعو الناس إلى الحج حتى يأتوا إليه. ومن هنا اعتبروا أنّ من أهداف الحج تعزيز المحبة والتواصل مع القادة الإلهيين.[١٣] وفي آية أخرى؛ طلب إبراهيم (ع) من الله أن يعطف قلوب الحجاج على أولاده في مكة ﴿رَّبَّنَآ إِنِّیٓ أَسۡکَنتُ مِن ذُرِّیَّتِی بِوَادٍ غَیۡرِ ذِی زَرۡعٍ عِندَ بَیۡتِکَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِیُقِیمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِیٓ إِلَیۡهِمۡ﴾ ،[٢٠] واعتبر البعض أنّ المراد من ﴿ذُرِّيَّتِي﴾ في الآية هم أهل البيت (ع).[٢١] وفي رواية أخرى اعتُبر معنى (إتمام الحج) في قوله تعالى ﴿وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِ﴾ [٢٢]هو لقاء النبي (ص)[٢٣] والأئمة (ع).[٢٤] وقد أكدت روايات أخرى هذا المعنى.[٢٥] حيث اعتُبر الإمام (ع) الروح الحقيقية للكعبة وروح جميع مناسك الحج ومحورها الأساسي الذي يحقق الأهداف الهامة لهذه العبادة.[٢٦] وإنّ اعتبار الإمام الحسن (ع)[٢٧] والإمام السجاد (ع)[٢٨] على أنهما أبناء مكة ومنى والمشعر وعرفات هو إشارة لهذا المعنى.[٢٩]
اجتناب الشيطان وأعداء الله (التبري)
إنّ أهم رمز في الحج للابتعاد عن شياطين الإنس والجن هو رمي الجمرات.[٣٠] واعتبرت بعض الأحاديث أنّ أحد مصاديق "قضاء التفث" في الآية ﴿ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ﴾ [٣١]هو رمي الجمرات.[٣٢] وفي الآيات الأولى من سورة التوبة، تم تكليف النبي محمد (ص) بالبراءة من المشركين في الحج ﴿وَأَذٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَی ٱلنَّاسِ یَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَکۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِیٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِکِینَۙ وَرَسُولُهُ﴾ [٣٣]وهو ما يُعتبر ابتعاداً عن شياطين الإنس.[٢٩]
الوقاية من هلاك الإنسان
اعتبر القرآن في الآية ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْکعْبَةَ الْبَیتَ الْحَرامَ قِیاماً لِلنَّاسِ﴾ الكعبة سبباً لقيام الناس. ويرى بعض المفسرين أن ذلك يعني حفظ الناس وسلامتهم من الأخطار،[٣٤] ويرون أن الناس إذا تركوا الحج هلكوا.[٣٥] وقد وردت هذه المسألة في أحاديث أهل البيت (ع).[٣٦] ففي رواية؛ اعتبر الإمام الصادق (ع) أنّ الحجاج سبب نجاة من ترك الحج.[٣٧] وفي أحاديث أخرى اعتُبرت نية تجديد الحج زيادة في العمر، وتكرار أداء الحج يمنع موت الفجأة.[٣٨]
تعلّم علوم الدين ونشر الأحاديث
اعتبر الإمام الرضا (ع) أن من مقاصد الحج تعلم علوم الدين ونقل أحاديث الأئمة (ع) ونشرها في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية.[٣٩] وفي حديث آخر فإن التعرف على سنن النبي محمد (ص) وأخباره يعتبر من مقاصد الحج.[٤٠]
امتحان العباد
وفي حديث للإمام علي (ع) فإن مناسك الحج تعتبر اختباراً صعباً نظراً لموقع الكعبة في بيئة قاسية، والصعوبات الكثيرة التي يتعرّض لها الحجاج.[٤١] واعتبر الإمام الصادق (ع) أنّ غاية اختبار الحجاج هي إظهار مدى طاعتهم لله.[٤٢]
المنافع الدنيوية
وفقاً للأحاديث؛ فإنّ تعبير "منافع" في الآية ﴿وَأَذِّن فی النَّاسِ بِالحْجّ… لیشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [٣]تشمل المنافع المادية علاوة على الأخروية،[٤٣] كمنافع مستأجري المراكب[٤٤] وتجار البضائع من الحجاج وغيرهم.[٤٥] ومن الفوائد المادية لرحلة الحج الأضحية التي تقدم للحجاج والفقراء.[٤٦] وبحسب الروايات فإن الحج يجلب الثروة المادية للحجاج،[٤٧] ويسد احتياجات أسرهم،[٤٨] ويقضي على الفقر[٤٩] والإفلاس،[٥٠] كما أنه يجلب الصحة للبدن.[٥١]
الجزاء الأخروي
بناء على رواية عن الإمام الصادق (ع) فإنّ أحد مصاديق المنافع في الآية ﴿وَأَذِّن فی النَّاسِ بِالحْجّ… لیشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [٣]هو المنافع الأخروية.[٥٢] كما اعتبر الإمام علي (ع) أن سبب وضع الكعبة في أرض قاسية وجافة هو فتح أبواب فضل الله ومغفرته للحجاج.[٥٣] وأشارت أحاديث أخرى إلى الأجر الأخروي للحاج، وحتى إلى كل خطوة يخطوها في رحلة الحج.[٥٤]
الهوامش
- ↑ الكافي، ج4، ص188؛ وسائل الشيعة، ج13، ص295.
- ↑ علل الشرائع، ج1، ص273؛ وسائل الشيعة، ج11، ص13.
- ↑ ٣٫٠ ٣٫١ ٣٫٢ سورة الحجّ(22)، الآية 28.
- ↑ الكافي، ج4، ص264.
- ↑ علل الشرائع، ج2، ص404؛ بحار الأنوار، ج6، ص96.
- ↑ الكافي، ج4، ص201؛ نهج البلاغة، خطبة 192.
- ↑ مصباح الشريعة، ص49؛ مستدرك الوسائل، ج10، ص173.
- ↑ سورة البقرة(2)، الآية 197.
- ↑ سورة البقرة، الآيات 189، 196؛ سورة المائدة، الآية 96.
- ↑ الكافي، ج4، ص338؛ تهذیب الأحكام، ج5، ص296.
- ↑ سورة المائدة، الآية 97.
- ↑ وسائل الشيعة، ج11، ص60؛ جامع أحاديث الشيعة، ج10، ص69.
- ↑ ١٣٫٠ ١٣٫١ دانشنامه حج وحرمین شریفین، ج۶، ص۳۲۸.
- ↑ الكافي، ج4، ص271؛ من لا یحضره الفقیه، ج2، ص243.
- ↑ نهج البلاغة، خطبة 192؛ وسائل الشيعة، ج11، ص15.
- ↑ علل الشرائع، ج1، ص248؛ وسائل الشيعة، ج1، ص22.
- ↑ بحار الأنوار، ج6، ص110 و ج50، ص267؛ وسائل الشيعة، ج11، ص15.
- ↑ وسائل الشيعة، ج11، ص15؛ بحار الأنوار، ج59، ص267.
- ↑ سورة الحج، الآية 27.
- ↑ سورة ابراهیم، الآية 37.
- ↑ الكافي، ج1، ص392؛ بحار الأنوار، ج27، ص74.
- ↑ سورة البقرة، الآیة ۱۹۶.
- ↑ بحار الأنوار، ج97، ص139؛ جامع أحادیث الشيعة، ج12، ص229.
- ↑ الكافي، ج4، ص549؛ نور الثقلین، ج1، ص183.
- ↑ علل الشرائع، ج2، ص459؛ بحار الأنوار، ج96، ص374.
- ↑ صهبای حج، ص99-100.
- ↑ الأمالي، ص245؛ تحف العقول، ص233.
- ↑ بحار الأنوار، ج45، ص138؛ الصحیح من سیرة النبی، ج29، ص54.
- ↑ ٢٩٫٠ ٢٩٫١ دانشنامه حج وحرمین شریفین، ج۶، ص۳۳۰.
- ↑ الروضة البهية، ج2، ص281-282.
- ↑ سورة الحج، الآية 29.
- ↑ مستدرك الوسائل، ج9، ص372؛ بحار الأنوار، ج96، ص312.
- ↑ سورة التوبة، الآية ۳.
- ↑ التبیان، ج4، ص31؛ فقه القرآن، ج1، ص86.
- ↑ مجمع البیان، ج3، ص424؛ روح المعاني، ج7، ص35.
- ↑ الكافي، ج4، ص271؛ وسائل الشيعة، ج11، ص21.
- ↑ الكافي، ج2، ص451؛ وسائل الشيعة، ج1، ص28.
- ↑ الكافي، ج4، ص261؛ من لا یحضره الفقیه، ج2، ص220.
- ↑ علل الشرائع، ج1، ص273؛ وسائل الشيعة، ج11، ص13.
- ↑ علل الشرائع، ج2، ص406؛ وسائل الشيعة، ج11، ص15.
- ↑ نهج البلاغة، خطبه192؛ الكافي، ج4، ص199.
- ↑ الكافي، ج4، ص198؛ من لا یحضره الفقیه، ج2، ص250.
- ↑ الكافي، ج4، ص422؛ تهذیب الأحکام، ج5، ص122.
- ↑ علل الشرائع، ج2، ص406؛ وسائل الشيعة، ج11، ص14.
- ↑ علل الشرائع، ج1، ص273؛ وسائل الشيعة، ج11، ص13.
- ↑ سورة الحج(۲۲)، الآيات ۲۸، ۳۶.
- ↑ من لا یحضره الفقیه، ج2، ص265؛ وسائل الشيعة، ج11، ص12.
- ↑ الكافي، ج4، ص252؛ وسائل الشيعة، ج11، ص9.
- ↑ من لا یحضره الفقیه، ج2، ص222؛ تهذیب الأحکام، ج5، ص21.
- ↑ وسائل الشيعة، ج11، ص108؛ بحار الأنوار، ج96، ص12.
- ↑ الكافي، ج4، ص252؛ وسائل الشيعة، ج11، ص252.
- ↑ الكافي، ج4، ص422؛ تهذیب الأحکام، ج5، ص122.
- ↑ نهج البلاغة، خطبه192؛ الكافي، ج4، ص199.
- ↑ الكافي، ج4، ص253؛ تهذیب الأحکام، ج5، ص24.
المنابع
- الأمالي، الشیخ الصدوق محمد بن علي بن بابویه (311-381هـ.)، تصحیح قسم الدراسات الإسلامیة موسسة البعثة، طهران، انتشارات بنیاد بعثت، 1417هـ.
- التبیان فی تفسیر القرآن، محمد بن الحسن الطوسي (385-460هـ.)، تحقيق أحمد حبیب قصیر العاملي، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1963م.
- الصحیح من سیرة النبي الأعظم، جعفر مرتضی العاملي، قم، دارالحدیث، 1426هـ.
- الکافي، محمد بن یعقوب الکلیني ( -329هـ.)، تحقيق علي أکبر غفاري، طهران، انتشارات دار الکتب الإسلامیه، 1375ش.
- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، محمد باقر المجلسي (1037-1110هـ.)، تصحیح محمد باقر البهبودي و السید إبراهیم میانجي و السید محمد مهدي الموسوي الخرسان، بیروت، دار إحیاء التراث العربي و مؤسسة الوفاء، 1403هـ.
- تحف العقول، الحسن بن شعبة الحراني (قرن4هـ.)، تصحیح علی أکبر غفاري، قم، دفتر انتشارات اسلامي، 1404هـ.
- تهذیب الأحکام في شرح المقنعة للشیخ المفید، محمد بن الحسن الطوسي (385-460هـ.)، تحقيق السید حسن الموسوي الخرسان و علي آخوندي، طهران، انتشارات دار الکتب الإسلامیة، 1365ش.
- صهباي حج، عبد الله جوادي الآملي، تنظیم حسن واعظی محمدي، قم، إسراء، 1377ش.
- علل الشرائع والأحکام، الشیخ الصدوق محمد بن علي بن بابویه (311-381هـ.)، تحقيق السید محمد صادق بحر العلوم، النجف، مکتبة الحیدریة، 1385هـ.
- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، حسین النوري الطبرسي (1254-1320هـ.)، قم، انتشارات مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث، 1408هـ.
- مصباح الشریعة، المنسوب للإمام جعفر الصادق(ع) ( -148هـ.)، بیروت، الأعلمي، 1400هـ.
- من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق محمد بن علي بن بابویه (311-381هـ.)، تحقیق و تصحیح علی أکبر غفاري، قم، دفتر انتشارات اسلامی، الطبعة الثانية، 1404هـ.
- نهج البلاغة، الشریف الرضي (م 406هـ.)، شرح صبحي صالح، قم، دار الأسوة، 1415هـ.
- وسائل الشيعة(تفصیل وسائل الشيعة إلی تحصیل مسائل الشريعة)، محمد بن الحسن الحر العاملي (1033-1104هـ.)، تحقيق عبد الرحیم رباني الشیرازي، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1403هـ.