المبیت في منی

مراجعة ١١:٠٨، ٦ مارس ٢٠٢١ بواسطة Hosainahmadi (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب'الركن الثاني من أركان حجّ التمتع الوقوف بعرفات، فلو تركه عمداً بطل حجّه، وعرفات على بُعد أرب...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

الركن الثاني من أركان حجّ التمتع الوقوف بعرفات، فلو تركه عمداً بطل حجّه، وعرفات على بُعد أربعة فراسخ من مكّة، وحدّها من بطن عرنة، وثوية، ونمرة إلى ذي المجاز، فلا يجوز الوقوف في هذه الحدود، فإنّ هذه المواضع ليست من عرفات، فلو وقف بها بطل حجّه، وبه قال الفقهاء كافة(377)،إلّا ما حكي عن مالك أنّه لو وقف ببطن عُرنة أجزأه ، ولزمه دم(378).

وقال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء على أنّه لو وقف ببطن عُرنة لم يجزه(379).

فإذا وصل الحاج إلى عرفات، وقف فيها من أول زوال اليوم التاسع من ذي الحجّة إلى غروب الشمس من ذلك اليوم إذا كان مُختاراً، مقروناً بالنيّة وقصد القُربة. وعرفة كلّها موقف، في أي موضع منها وقف أجزأه.

قال ابن رشد: لم يختلف العلماء أن رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد ما صلّى الظهر والعصر بعرفة ارتفع فوقف بجبالها داعياً إلى الله تعالى، ووقف معه كلّ من حضر إلى غروب الشمس، وأنه لمّا استيقن غروبها وبان لـه ذلك ، دفع منها إلى المزدلفة، ولاخلاف بينهم أن هذا هو سنّة الوقوف بعرفة(380).

وليس معنى الوقوف هو الكون واقفاً وإن كان أفضل أفراد الكون، بل معناه الكون بعرفات من دون فرق بين أن يكون راكباً ، أو راجلاً ، أو ساكناً ، أو مُتحركاً.

قال ابن قدامة: أجزاه قائماً ،أو جالساً ، أو راكباً ، أو نائماً، وبه قال مالك والشافعي، وأبو حنيفة(381). وفيه مسائل..

مسألة ١: الظاهر أن الجبل موقف، ولكن يكره الوقوف عليه، ويستحب الوقوف في السفح من ميسرة الجبل.

مسألة ٢: يعتبر في الوقوف أن يكون عن اختيار، فلو نام أو غُشي عليه هناك في جميع الوقت لم يتحقّق منه الوقوف.

قال ابن قدامة : إن وقف وهو مغمى عليه أو مجنون ، ولم يفق حتى خرج منها ، لم يجزيه، وهو قول الحسن، والشافعي، وأبي ثور، وإسحاق، وابن المنذر. وقال عطاء في المغمى عليه: يجزيه. وهو قول مالك، وأصحاب الرأي(382).

مسألة ٣: الأحوط للمختار أن يقف في عرفات من أول ظهر التاسع من ذي الحجّة إلى الغروب، والأظهر جواز تأخيره إلى بعد الظهر بساعة تقريباً، والوقوف في تمام هذا الوقت وإن كان واجباً يأثم المكلّف بتركه، إلّا أنّه ليس من الأركان، بمعنى أن من ترك الوقوف في مقدارٍِ من هذا الوقت لا يفسد حجّه. نعم، لو ترك الوقوف رأساً باختياره فسد حجّه، فما هو الركن من الوقوف هو الوقوف في الجملة.

مسألة ٤: من لم يدرك الوقوف الاختياري «الوقوف في النهار» لنسيانٍ أو لجهلٍ يُعذر فيه أو لغيرهما من الأعذار، لزمه الوقوف الاضطراري «الوقوف برهة من ليلة العيد» وصحّ حجّه، فإن تركه متعمداً فسد حجّه.

مسألة ٥: تحرم الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس عالماً عامداً، لكنها لا تفسد الحجّ، فإذا ندم ورجع إلى عرفات فلا شيء عليه، وإلّا كانت عليه كفّارة بُدنة ينحرها في منى، فإن لم يتمكن منها صام ثمانية عشر يوماً، والأحوط أن تكون متواليات، ويجري هذا الحكم في من أفاض من عرفات نسياناً أو جهلاً منه بالحكم، فيجب عليه الرجوع بعد العلم أو التذكّر، فإن لم يرجع حينئذٍ فعليه الكفّارة على الأحوط.

قال القفّال الشافعي: فإذا غربت الشمس دفع إلى المزدلفة(383).

وقال ابن رشد: فيمن وقف بعرفة بعد الزوال ثم دفع منها قبل غروب الشمس: قال مالك عليه حجّ قابل إلّا أن يرجع قبل الفجر، ثم قال: وقال جمهور العلماء من وقف بعرفة بعد الزوال فحجه تام وإن دفع قبل الغروب إلّا انهم اختلفوا في وجوب الدم عليه(384).

آداب الوقوف بعرفات

يستحب في الوقوف بعرفات أمور وهي كثيرة، نذكر بعضها.

١ - الطهارة حال الوقوف.

قال ابن قدامة: ويستحب أن يكون طاهراً. وقال أحمد: يستحب لـه أن يشهد المناسك كلّها على وضوء. وكان عطاء يقول: لا يقضي شيئاً من المناسك إلّا على وضوء (385).

٢ - الغسل عند الزوال.

٣ - تفريغ النفس للدعاء، والتوجه إلى الله.

٤ - الوقوف بسفح الجبل في ميسرته.

٥ - الجمع بين صلاتي الظهرين بأذان وإقامتين.

٦- الدعاء بما تيسّر من المأثور وغيره، والأفضل المأثور، فمن ذلك دعاء الحسين عليه السلام، ودعاء ولده الإمام زين العابدين عليه السلام. ومنه ما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( إنّما تُعجل الصلاة وتجمع بينهما ؛ لتفرّغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة، ثمّ تأتي الموقف وعليك السكينة والوقار، فاحمد الله ، وهلّله ، ومجّده ، وأثن عليه، وكبّره مائة مرّة، وأحمده مائة مرة، وسبّحه مائة مرّة، واقرأ قل هو الله أحد مائة مرّة، وتخيّر لنفسك من الدعاء ما أحببت، واجتهد فإنه يوم دعاء ومسألة، وتعوّذ بالله من الشيطان، فإن الشيطان لن يذهلك في موطن قطّ أحبّ إليه من أن يذهلك في ذلك الموطن.

وإيّاك أن تشتغل بالنظر إلى الناس، وأقبل قِبَلَ نفسك، وليكن فيما تقول: اللهمَّ إنّي عبدك، فلا تجعلني من أخيب وفدك، وارحم مسيري إليك من الفجّ العميق. وليكن فيما تقول: اللهمَّ رب المشاعر كلها، فك رقبتي من النار، وأوسع عليّ من رزقك الحلال، وادرأ عنّي شرّ فسقة الجنّ والإنس. وتقول: اللهمَّ لا تمكر بي، ولا تخدعني، ولا تستدرجني. وتقول: اللهمَّ إنّي أسألك بحولك وجودك وكرمك ومنك وفضلك، يا أسمع السامعين، ويا أبصر الناظرين، ويا أسرع الحاسبين، ويا أرحم الراحمين، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تفعل بي ـ كذا وكذا ـ وتذكّر حوائجك . وليكن فيما تقول وأنت رافع رأسك إلى السماء : اللهمَّ حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني، والتي إن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسألك خلاص رقبتي من النار. وليكن فيما تقول: اللهمَّ إني عبدك وملك يدك، ناصيتي بيدك، وأجلي بعلمك، أسألك أن توفقني لما يرضيك عني، وأن تسلم مني مناسكي التي أريتها خليلك إبراهيم صلواتك عليه، ودللت عليها نبيك محمد صلّى الله عليه وآله. وليكن فيما تقول: اللهمَّ اجعلني ممن رضيت عمله، وأطلت عمره، وأحييته بعد الموت حياة طيبة)(386).

قال ابن قدامة: ذكر الله تعالى يستحب في الأوقات كلّها ، وهو في هذا الوقت أشد تأكيداً، لأنه زمن الاستشعار بطاعة الله تعالى، والتلبس بعبادته ، والسعي إلى شعائره(387).

ومن الأدعية المأثورة ما علّمه رسول الله صلّى الله عليه وآله علياً عليه السلام، على ما رواه معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( فتقول: لا إله إلّا الله وحده لا شريك لـه، لـه الملك وله الحمد، يحيى ويميت ويميت ويحيي، وهو حيّ لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، اللهمَّ لك الحمد، أنت كما تقول، وخير ما يقول القائلون، اللهمَّ لك صلاتي وديني ومحياي ومماتي، ولك تراثي، وبك حولي ، ومنك قوّتي، اللهمَّ إني أعوذ بك من الفقر، ومن وسواس الصدر، ومن شتات الأمر، ومن عذاب النار، ومن عذاب القبر، اللهمَّ إني أسألك من خير ما تأتي به الرياح، وأعوذ بك من شر ما تأتي به الرياح، وأسألك خير الليل وخير النهار)(388).

ومن تلك الأدعية ما رواه عبد الله بن ميمون، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ( إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وقف بعرفات، فلما همّت الشمس أن تغيب قبل أن يندفع، قال: « اللهمَّ إنّي أعوذ بك من الفقر، ومن تشتت الأمر، ومن شرّ ما يحدث بالليل والنّهار، أمسى ظلمي مستجيراً بعفوك، وأمسى خوفي مستجيراً بأمانك، وأمسى ذلّي مستجيراً بعزك، وأمسى وجهي الفاني مستجيراً بوجهك الباقي، يا خير من سئل، ويا أجود من أعطى، جللني برحمتك، وألبسني عافيتك، واصرف عني شر جميع خلقكَ» (389).

وروى أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: ( إذا غربت الشمس يوم عرفة فقل: اللهمَّ لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف، وارزقنيه من قابل أبداً ما أبقيتني، واقلبني اليوم مفلحاً منجحاً مستجاباً لي، مرحوماً مغفوراً لي، بأفضل ما ينقلب به اليوم أحدٌ من وفدك وحجاج بيتك الحرام، واجعلني اليوم من أكرم وفدك عليك، واعطني أفضل ما أعطيت أحداً منهم من الخير والبركة والرحمة والرضوان والمغفرة، وبارك لي فيما أرجع إليه من أهلٍ أو مالٍ أو قليلٍ أو كثيرٍ، وبارك لهم فيَّ )(390).