الفرق بين المراجعتين لصفحة: «انصاب الحرم»

'''انصاب الحرم'''  تطلق على العلامات والحدود التي يتم تحديد [[الحرم]] و نظرا لأن منطقة الحرم تحتوي على أحكام خاصة و تتمتع بـ[[الامن]]  ويجب  دخول  الحاج  بـ[[الاحرام]]  فان تحديد هذه المنطقة تتمتع باهمية كبيرة . وفقًا  للروايات ،فان حدود  هذه المنطقة محصورة ، بحيث في  زمن  النبي ابراهيم عليه السلام الذي قام يوضع  الحجر الاسود فيه،  فقد سطع منه نورا  و ان [[النبي ابراهيم]] (ع ) وبمساعدة [[جبرائيل]]  قام بتحديد هذه المنطقة  ووضع انصاب الحرم . وخلال مختلف العهود تم  اعادة بناء هذه الانصاب.

الانصاب جمع نصب  وبمعنى العلامة. <ref>لسان العرب، ج1، ص759؛ تاج العروس، ج‌2، ص435، «نصب».</ref> كما يطلق  عليها عبارات كـ اعلام [[الحرم]]  <ref>النهایة، ج‏3، ص292؛ لسان العرب، ج12، ص419، «علم.</ref>او منار الحرم<ref>لسان العرب، ج5، ص241، «نور.</ref> و اميال <ref>لسان العرب، ج11، ص639، «میل.</ref>كانت الانصاب قبل [[الاسلام]] بمعنى  الاحجار التي يضعها  المشركون الذين  لم تكن لديهم القدرة على بناء منزل أو صنم  للـ[[عبادة]] ،  امام  الحرم  او أي مكان آخر ، للطواف حولها  وتقديم [[الاضاحي]] لها.<ref>الاصنام، ص33، 42.</ref>

نظرا لكون منطقة الحرم تحتوي على أحكام خاصة مثل حظر القتال وإراقة الدماء والصيد وتقطيع الأشجار والنباتات ، والدخول فيها مع [[الإحرام]] ، <ref>الاحکام السلطانیة، ص339-341؛ تهذیب الاسماء، ج3، ص83-84؛ معجم البلدان، ج2، ص244.</ref> فانه من المهم  للغاية تحديد هذه المنطقة. هناك العديد من الروايات تنص على  تحديد  حدود  الحرم  بامر  من الله سبحانه وتعالى، <ref>اخبار مکة، ازرقي، ج2، ص113؛ اخبار مکة، فاکهي، ج4، ص15؛ العقد الثمین، ج1، ص37.</ref> بالطبع نلاحظ  اختلافات في اسلوب هذه العملية. وفقا لبعض الروايات ، فانه تم  تحديد حدود الحرم  من خلال ضوء ساطع من [[الحجر الأسود]] عندما وضعه [[النبي إبراهيم]] عليه السلام  في مكانه، <ref>من لا یحضره الفقیه، ج1، ص272-273؛ التهذیب، ج2، ص44-45؛ المناقب، ج3، ص382.</ref> ثم بتوجيه من [[جبرا ئیل|جبرائیل]] قام  النبی ابراهیم  (ع) بتحديد  منطقة الحرم  ووضع  الحجارة عليها  وثبتها  بالتراب و الطين .<ref>اخبار مکة، فاکهي، ج2، ص273-375؛ المصنف، ج5، ص25؛ المناسك، ص471.</ref> وفقا لذلك  فان الحدود تم تحديدها ليس عبر الاجتهاد  بل باوامر الهیه ، ومن هذا المنطلق فان موقع انصاب الحرم لم يتغير عبر الدهور الماضية .  هذه المنطقة التي تضم فيها [[المسجد الحرام]] تحيط بمكة المكرمة من اربعة اطراف.

بعد عهد النبي إبراهيم عليه السلام وفي مختلف العصور ، تم  اعادة بناء وترميم  هذه العلامات  . ولأول مرة بعد والده ، قام  [[النبي إسماعيل]] عليه السلام باعادة بناء هذه العلامات، <ref>اخبار مکة، فاکهي، ج5، ص225؛ شفاء الغرام، ج1، ص106.</ref>وكان [[عدنان بن ادد]] ، الجد العشرين [[للنبي الاكرم]] (ص ) <ref>اخبار مکة، فاکهي، ج2، ص276؛ شفاء الغرام، ج1، ص55.</ref> و[[قصي بن كلاب]] <ref>اخبار مکة، ازرقي، ج2، ص121؛ اخبار مکة، فاکهي، ج5، ص225.</ref> الجد الرابع  للرسول الاعظم ( ص )، كانا من بين أولئك الذين  قاموا باعادة بناء هذه العلائم  . المصدر  لم يشر الى تفاصيل عمليات إعادة البناء هذه.

استنادًا إلى الأبحاث الميدانية التي  أجراها الباحث المعاصر [[ابن دهيش]] ، فان علائم الحرم  تضم  فيها  934 علامة. بحيث كانت هناك  110  علائم في الجهة الشرقية و  574 علائم في الجهة الشمالية و 98 علائم في الجهة  الغربية  و 152 علامة في الجهة الجنوبية .  الجهة  الشرقية من خلال  16 جبلا ، و الجهة  الشمالية من خلال 22 جبلا و الجهة الغربية من  خلال 5 جبال  والجهة الجنوبية من  خلال 14 جبلا  كانت مواقع لتحديد العلائم .  بقيت 13 علامة فقط على المداخل العامة لـ[[مكة]] المكرمة واثنتان على الجبال ، والباقي اختفى بمرور الوقت ، <ref>الحرم المکي، ص128-129؛ الحرم المکي، ص354.</ref> هذه الانصاب قد تم بناءها ووضعها  على  الاطراف الاربعة لمكة المكرمة ، على شكل كتل صخرية ، وكذلك  بشكل صخور متلاصقة بالجبس أو الحجر الجيري.  وخلال العهود التالية كانت بشكل  أعمدة من الاسمنت وألاحجار الرخامية.<ref>الحرم المکي، ص61.</ref>

توصل المؤرخون إلى أرقام مختلفة لتحديد المسافة  لهذه العلامات لأنهم اختلفوا في أصل القياس. وقد أعتبرها البعض  [[أبواب المسجد الحرام]] والبعض الاخر مداخل مكةالمكرمة . كما تجري عملية القياس باستخدام أدوات أقل دقة مثل الحبال. أيضا ، وجود مسارات منخفضة وعالية والاختلافات في وحدات القياس ( الميل والذراع و..) كان سبب لهذا الخلاف . كانت تشير بعض الأرقام إلى المسافة إلى الجبل وأرقام أخرى  تشير  الى  المسافة  حتى  العلائم .  الامتزاج  بين هذين الامرين ادى الى الاختلاف في الارقام.  

يعد محل [[ثنیه ذَاتِ الْحَنْظَلِ]] موقع  لنصب العلائم في هذا المسار <ref>اخبار مکة، ازرقي، ج2، ص302.</ref> وذكرت مصادر مختلفة بان المسافة بين هذا العلائم  تبلغ  ثلاثة <ref>اخبار مکة، ازرقي، ج2، ص122؛ اخبار مکة، فاکهي، ج5، ص89؛ احسن التقاسیم، ص77.</ref> او اربعة او خمسة <ref>شفاء الغرام، ج1، ص112.</ref> اميال واعتبر البعض الاخر أن نهاية [[التنعيم]] هو حدود الحرم <ref>شفاء الغرام، ج1، ص113.</ref> ، والبعض الآخر يعتبر حدود  الحرم يصل حتى قرب التنعيم  والتنعيم هو جزء من  الحل .<ref>اخبار مکة، ازرقي، ج2، ص130؛ شفاء الغرام، ج1، ص113؛ اعلام الساجد، ص63.</ref>

على جانب [[الطائف]] من جهة [[عرفة]] ، توجد العلائم  في مكان يُطلق عليه الضَّحَاضِح او  [[ذاتُ السَّلِیم]]  ( جبل بين [[المزدلفة]] و[[ذي مراخ]] ) في مكان يُعرف باسم  [[ثنية ابن كريز]]<ref>اخبار مکة، ازرقي، ج2، ص291-292.</ref> وفي [[ذنب السلم]] وايضا في [[ثَنِیَّةُ کَرْدَم]] <ref>اخبار مکة، فاکهي، ج5، ص87.</ref>. ذكرت مصادر مختلفة علامات الحرم تقع  على جانب الطائف وتبلغ مسافتها  18 <ref>شفاء الغرام، ج1، ص108.</ref> و 11 <ref>اخبار مکة، ازرقي، ج2، ص122؛ اخبار مکة، فاکهي، ج5، ص89؛ المسالك و الممالك، ص132.</ref>و 9 <ref>شفاء الغرام، ج1، ص109.</ref>و 7 اميال.<ref>الاحکام السلطانیة، ص338؛ تهذیب الاسماء، ج3، ص82.</ref>

بالنظر إلى الأهمية الخاصة لعلائم  الحرم ، فإن [[النبي الاكرم]] ( ص ) في نفس يوم [[فتح مكة]] (8 ق ) ، ووفقا لروايات في عام  فتح مكة المكرمة قام بتكليف  [[تميم بن اسد الخزاعي]] <ref>المصنف، ج5، ص25؛ اخبار مکة، ازرقي، ج‏2، ص119؛ اخبار مکة، ازرقي، ج‏2، ص121؛، الطبقات، ج2، ص104.</ref> او [[اسود بن خلف الخزاعي]] <ref>المعجم الکبیر، ج1، ص280.</ref> وكلاهما من قبائل مكة العريقة  لترميم انصاب الحرم.

[[عمر ابن الخطاب]] وفي عام  17 هـ  وأثناء تواجده في مكة المكرمة <ref>تاریخ طبري، ج4، ص69؛ الکامل، ج2، ص537؛ المنتظم، ج4، ص231.</ref> ،  قام بتكليف كلا من [[مَخرمة بن نَوفل زُهَری]] ( وفاة عام  54 هـ ) وأبو هود سعيد بن يربوع المخزومي (وفاة 54 هـ) وحويطب  بن عبد العزي ألاسدي (وفاة 54 هــ) وأزهر بن عبد عوف زهري <ref>المغازي، ج2، ص842؛ اخبار مکة، ازرقي، ج2، ص121، تاریخ طبري، ج11، ص516.</ref> صبيحة بن حارث التيميمي<ref>اخبار مکة، فاکهي، ج2، ص274.</ref> و عجير بن عبد يزيد بن [[هاشم بن مطلب]] بن  مطلب بن عبدالمناف المطلبي لترميم علائم الحرم .<ref>انساب الاشراف، ج9، ص393؛ الاصابه، ج4، ص384.</ref>

قام [[عثمان بن عفان]] ( 23-35 هـ ) في عام  26 هـ  بايفاد [[عبد الرحمن بن عوف الزهري]] (وفاة 32 هـ) الى مكة المكرمة باعتباره [[اميرا للحجاج]] وأمره بتجديد العلائم . قام هو ايضا بتكليف كلا من  حويطب بن عبد العزي وعبد الرحمن بن ازهر (وفاة 67 هـ) و وشخص اخر من [[قريش]] باداء هذه المهمة. كان [[سعيد بن يربوع المخزومي]] و  [[مخرمة بن نوفل]] ، يقومان كل عام باعادة اعمار انصاب الحرم خلال خلافة عثمان .<ref>اخبار مکة، ازرقي، ج2، ص122؛ اتحاف الوری، ج2، ص18؛ شفاء الغرام، ج1، ص127.</ref> المصادر لم تتحدث عن اعادة بناء العلائم خلال فترة حكومة  [[على بن ابي طالب عليه السلام]] .   

خلال فترة [[معاوية بن ابي سفيان]]، اختفت بعض علائم الحرم وطلب معاوية من [[مروان بن الحكم]]  حاكم [[المدينة]] ، في رسالة ان يقوم بتكليف [[كرز بن علقمه الخزاعي]] اذا كان على قيد الحياة ، بترميم  انصاب الحرم <ref>اخبار مکة، ازرقي، ج2، ص122؛ الاصابه، ج5، ص436.</ref> ونظرا لعزل مروان في عام 48 هـ <ref>الاستیعاب، ج3، ص1388.</ref> فان هذه العملية قد انجزت قبل هذه الفترة الزمنية.

[[عبد الملك بن مروان]] ( 65-86 هـ ـ) قام في عام 75 هـ  بتكليف عدد من شيوخ [[خزاعة]] و قريش و[[بني بكر]] ، بترميم انصاب الحرم ، <ref>اخبار مکة، ازرقي، ج2، ص122؛ المغازي، ج2، ص842؛ اتحاف الوری، ج2، ص105</ref> ومن هذه الفترة وحتى نهاية العهد الاموي لم يصلنا اي تقرير بشان اعادة بناء انصاب الحرم.   

في [[العصر العباسي]] ، اصدر  [[المهدي العباسي]] ( 158-169 هـ)  امرا بترميم كافة العلائم ، <ref>شفاء الغرام، ج1، ص107؛ الارج المسکی، ص51؛ مرآة الحرمین، ج1، ص227.</ref> من هذه الفترة  لم تؤخذ العلائم  على الجبال في الاعتبار  خلال عملية اعادة بناء الانصاب . وكان فقط تجري عملية ترميم  العلائم التي كانت على الطرق المؤدية إلى  الحرم  مثل طرق المدينة المنورة و[[اليمن]] و[[العراق]] و[[الطائف]] و[[جعرانة]] و[[جدة]]. <ref>الحرم المکي، ص77-79.</ref> قام [[المقتدر العباسي]] (295-320 هـ)  باصدار امر في عام 306 هـ  بترميم واعادة بناء العلائم <ref>موسوعة مرآة الحرمین، ج1، ص149؛ التاریخ القویم، ج2، ص100.</ref>، ومن  ثم في عام  325 هـ. و بناءً على أوامر  [[الراضي العباسي]] ( 322-  329  هـ )  تم بناء  ونصب عمودين كبيرين في  [[تنعيم]] كبديل عن  انصاب الحرم القديم.<ref>اخبار مکة، فاکهي، ج2، ص275؛ شفاء الغرام، ج1، ص107؛ اتحاف الوری، ج2، ص386.</ref>

في فترة [[الأيوبيين]] أصدر  الملك [[مظفر بن أبو بكر]] (وفاة 645 هـ)  حاكم اربل ، وهي مدينة بالقرب من الموصل ، امرا في عام  616 هـ بإعادة ترميم  نصبين للحرم  على جانب [[عرفة]] ، والتي كانتا بشكل  عمودين كبيرين. <ref>شفاء الغرام، ج1، ص10؛ العقد الثمین، ج7، ص100.</ref> كما اصدر  الملك مظفر (647 - 694 ه)  حاكم اليمن ، أمرا  في عام 683 هـ بشان ترميم  العلائم الاخرى.<ref>شفاء الغرام، ج1، ص107؛ الارج المسکی، ص51؛ مرآة الحرمین، ج1، ص227.</ref>

في عهد [[آل سعود]] ، قام [[عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود]] ( 1393-1373 هـ )  فی عام 1343 هـ.  باعادة اعمار  علامتين على طريق [[جدة]] . <ref>الحرم المکي، ص86-87.</ref> وقد كتبت على هاتين العلامتين  والتي بنيت بشكل  جدار سميك مع ثلاث قبب صغيرة فوقهما  هذه العبارة إلى جانب الترجمة الإنجليزية : «بسم الله الرحمن الرحیم. الی هنا اول حدود الحرم وضع فی عهد الملك عبدالعزیز ». وقد خلفه ابنه [[الملك سعود]] ( 1373-1384 هـ ). وبسبب التغيرات التي طرأت على طريق جدة ، قام بانشاء  علامتين جديدتين  على بعد كيلومترين  من جنوبي  الانصاب السابق في [[منطقة الشميسي]] ، حيث كنب عليها  : الی هنا انتهی الحرم الملك سعود بن عبدالعزیز آل سعود سنة 1376ق.».  أيضا في عام 1377 هـ  تم الانتهاء من بناء علامتين على طريق الطائف .<ref>الحرم المکي، ص89.</ref> وفي عام 1383 هـ تم اعادة بناء او بناء علائم على اتجاه عرفات <ref>التاریخ القویم، ج2، ص100-101.</ref> كما  بنى الملك خالد بن عبد العزيز (  1395-1402 هـ) علامتين على طريق الطائف وعلامتين على طريق جدة القديم ، واللتين كانتا تختلفان مع العلائم السابقة . هذه العلائم  كانت أعلى بكثير من غيرها ، وعلى عكس  الانصاب التي بنيت فوقها القباب الصغيرة الثلاثة ، لم يتم بناء أي قبة عليها. تم إنشاء الانصاب الجديدة  على طريق الطائف الجديد باتجاه  عرفات بشكل مكعب مستطيل ،وتم تخصيص لوحتين  على جانبيها  للتعريف  وتم وضع مظلة  فوقها .  كما تم بناء  علامة على طريق جدة بشكل قبة عظيمة ومرتفعة  مع تاج مُعلَّق فوقه ولوحة علی كلا الجانبين وأسفلها مزينة بالأحجار السوداء والبيضاء.<ref>الحرم المکي، ص89-91؛ الحرم المکي، ص415؛ الحرم المکي، ص417.</ref>

قام فهد بن عبد العزيز (1402-1426 هـ)  في عام 1404 هـ  ببناء  علامتين جديدتين في وادي  تنعيم  بجانب [[مسجد عائشة]] ، <ref>الحرم المکي، ص91.</ref> وقد استخدمت في صنع  العلامتين  تقنيات معمارية حديثة . لكن بما أن العلامات لم تكن قابلة للرؤية بسهولة  في أعقاب توسيع وإعادة بناء المسجد ، فإن الملك فهد قام في عام 1407 هـ. باعادة بناء العلائم القديمة في تنعيم. <ref>الحرم المکي، ص91-92.</ref>

وهكذا، قد بلغ مجموع  الانصاب التي  تم بناءها  او اعادة بناءها في عهد ال سعود  13 علامة ، ستة علامات على طريق  جدة ، و علامتين على طريق الطائف من  صوب الشرايع وعلامتين على طريق الطائف من جهة عرفة وثلاث علامات  في منطقة تنعيم.<ref>الحرم المکي، ص92.</ref>