العمران في مکة

من ويكي‌حج
(بالتحويل من العمران فی مکة)

تطوّر العمران في مکة بمرور الأجيال المختلفة وکل من الحکومات، أضافوا شيئا بها فصارت مکة والمسجد الحرام متسعة ومتطورة. في عهد القريش، أنشئت البیوت الأولية بمکة وجعلوا للبيوت أبواب وصنعوا مسالك بینها لسهولة المرور. في عهد الخلفاء الراشدين، اتّسعت مکة وأضيف إلی نشاطها التجاري والعلمي والزراعي. قلّ عدد سکّان مکة في عهد الأمويين والعباسيين ولکن أنشئ الخلفاء العباسي برك وعیون عديدة وجهدوا بتحسين المسجد الحرام والکعبة. قام الفاطميون بتعمير بیت الله وبنی الشراکسة رباطا للفقراء وأزالوا الأشجار والصخور من طريق عرفات. بدأ العثمانیون ببناء دار الحکومة والبوليس ودار الصحة.

عهد قريش

قبل عهد القريش، لم یکن عمران مکة أفضل من خیم ومضارب من الشعر. ولکن طوال حکومة القریش علیها، کانت مکة تتعمر وتتباعد في حواشي الوادي وبین لیات جباله وصارت البیوت مبنية بالحجر والطین ویقال أنّ أول من بنی بیتا بمکة کان سعید بن عمرو السهمي وأول من بنی بیتا مربعا حمید بن زهیر وأول من جعل بابا لبیته حاطب بن ألي بلتعة.[١]

کانوا یجعلون عند مدخل البیوت عرصات ینزل فیها الحجاج والمعتمرون وبدئوا یصنعون لبعض البیوت أبوابا ویترکون مداخلها الرئیسية شارعة علی عرصاتها دون أبواب. لم یزحف العمران إلی مرتفات الجبال وأکتافها في هذا المقطع من الزمان بل ظل مستويا باستواء سطح الوادي.

خطّ قادة قريش قصيّا للکعبة و ساحة توازی صحن المسجد الیوم، ومنعوا بناء البيت في القصيّ بقرب الکعبة أو المبيت بجوار الکعبة. أمروا بجعل مسالك بین البیوت لسهولة المرور کما أمروا بأن لا یرفعوا بیوتهم عن الکعبة. کان القريش یتخذون مجالسهم العامة في أفياء الکعبة وبنوا دار الندوة لاجتماعاتهم الخاصة.[٢]

عهد الراشدين

في عهد الراشدين، کانت البیوت تتزاحم حول المسجد الحرام لأنّ الأغلبية من المهاجرين إلی مکة کانوا یفضّلون قرب الکعبة فصارت مکة شکل المدينة المکتظة وترکت الأطراف للقبائل. أضيف إلی نشاط مکة التجاري في عهد عثمان وبدأت الثروات تزید أرقامها ویقال أنّ مصدر الثراء هو عطاء عثمان الذي کان قبل خلافته من أجود العرب.[٣] أضيفت غنائم الحروب والفتوحات إلی ثروات الخلافة ونال المسلمون کثیرا من جود عثمان فأینعت الحضارة و کثرت الأيدي العاملة في المزارع المحيطة بمکة وأنشئت الجنات في ضواحيها وحفرت الآبار وانتعشت الأسواق وراح کثير من القريشيين إلی طائف للزراعة علی أرضه الخصب. عاد البعض من الحروب بما في صدورهم من العلوم فتشکلت بمکة حلقات من المعلمين. کما تعاونت مکة مع ولاة عثمان مدة خلافته، ساعدت في تنشیط الحرکة العمرانية تحت ولاية علي. [٤]

العهد الأموي

من آثار النبي في مکة مسجد بأعلیها عند بئر جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل یعرف باسم مسجد الراية وکان الناس لا یتجاوزونه في بناء منازلهم فما فوق البئر خال من الناس. یُفهم من الأشعار المنشدة في العهد الأموي أنّ عمران مکة لم یتجاوز المسجد في هذا العهد. لم یتطور عمران مکة من الجهات الأخری أیضا؛ حدود حارة الباب لم تعمر إلا بعد هذا العهد و لم یکن لمکة في هذا العهد سور.[٥]

العهد العباسي

لم یتسع مکة في العهد العباسي عمّا کان في العهد الأمويين بل کان الأمر علی عکسه؛ فقل عدد السکان جدا وتفرق أبناء مکة في الآفاق واستوطنوا الأراضي الخصبة في البلاد الأخری فلم یبق في مکة من أهلها إلا قليل وجاورهم بعض من مسلمي سائر البلاد.

أحيی هارون الرشيد، الخليفة العباسي، العيون والبرك المطمرة بعد العهد الأموي في أعلی مکة وأسفلها التي کان یسقي منها الناس في ذلك الزمان. لم یف هذا الإحياء بالغرض فاشترت زبيدة زوجة هارون الرشید أرض حنين وبنت قنوات فیها یصب إلی أطراف مکة واشترت هکذا أرضا في وادي نعمان فوق عرفات و بنت قنواته لیصب في عرفة ثم بنت بركة أخری في مکة.

أنشأ یاسر، خادم زبيدة، میضات علی أبواب المسجد الحرام بأمرها وبنی المأمون العباسي خمس برك في النواحي المختلفة من مکة یجری الماء فيها من عين زبيدة.

بنی هارون الرشید علی رؤوس الجبال منائر مشرفة علی مکة ورتّب المؤذنين لها، لأن یصل صوت الأذان إلی جميع ضواحي مکة؛ قد أهملت هذه المنائر بتقادم الأجيال ولم یبق منها أثر.[٦]

زيّن العباسيون الکعبة وبدّلوا بابها وجعلوا لها میزابا جمیل النقش و أصلحوا رخامها وأهدوا لها قناديل من الذهب والفضة.[٧]

عهد الفاطميين

قام الفاطميون بإصلاح کثير من الخراب الذي کان یسلط علی المسجد الحرام؛ جددوا الأسطوانات وأصلحوا بعض المواضع من سقفه. جعل الفاطميون في جوانب حجرة زمزم أحواض یصبّ فيها الماء ویتوضأ الناس به وأمام بئر زمزم من ناحية الشرق بناء آخر یسمی سقاية الحاج فیها مواضع یستسقی الناس منها. بنوا قریبا من هذه البناية، بناء آخر مستطیل علیه ثلاث قباب یسمی خزانة الزيت به الشمع والزيت والقناديل. أقاموا حول الکعبة أعمدة بینها عوارض من الخشب علیها زخارف من الفضة، وعلّقت من هذه الأعمدة مصابيح.[٨]

عهد الأتراك والشراکسة

في عام 749 قام الأمير فارس الدين من مماليك الأتراك بإصلاح المسجد الحرام و جدّد الأعمدة حول المطاف وفي سنة 720 عمّر الناصر محمد بن قلاوون رخام الحجر وصنع المنصور علي بن الأشرف بسنة 781 بابا للکعبة. کان الناصر بن قلاوون متولي کسوة الکعبة بالکتان السوداء وإنشاء الميضات مقابل باب علي.[٩]

بدأ الشراکسة بإصلاح المروة ودرجاتها وتعمير المواضع المهمة بمنی والمزدلفة وعرفات. أزال الشراکسة الأشجار والصخور الکبيرة في طريق عرفات لأن اللصوص کانوا یختفون وراءها.[١٠] هدّم السلطان قایتاباي الميضات المبنية أمام باب علي وأنشأ مکانها رباطا للفقراء کان بجواره میضات صغیرة وجعل له بابا یشرف علی سوق الليل وبنی بجواره مطبخ للطعام الموزّع علی الفقراء. أمر قايتاباي أیضا بتعمير مسجد الخيف في منی ومسجد نمرة في عرفات.[١١]

وقعت کارثة في سنة 802 في المسجد الحرام؛ التهمت النار أجزاء من المسجد وقاموا بصنع بعض من الإسطوانات الرخامية لتعميؤ المسجد وزخرفوه بالألوان والقناديل. عمّر الشراکسة حجر إسماعيل بالرخام وأرسلوا له کسوة من الحرير الأسود وکانت أول کسوة لحجر إسماعيل وآخرها أیضا.

في عام 817 بنی الغوري قصرا مرتفعا قريبا من المسجد الحرام ووقفه علی أعمال الخير وقرر فیه بعض المستحقين. بنی خارج ذلك متوضّأ تشتمل علی مراحيض وبرکة الماء.

العهد العثماني

لم یتسع عمران مکة في أوائل العهد العثماني کثيرا عما کان في عهد الشراکسة ولکن تأسس أول مجلس للبلدية في عام 1326 لیقوم مقام المحتسب الذي کان یحکم السوق ویشرف علی تنظيم العمران؛ وهکذا بدأت الحکومة العثمانية بعمران مکة.

شنّ الروس حروبهم في أجزائ من آسیا وکذلك فعل الإنکيز وفرنسا فاشتدّ الضغط علی بلاد الإسلام ففرّ کثیر من المسلمين إلی مکة والمدينة وجدة لبعد هذه البلاد من حروب الأروبيين فازداد السکان بمکة. قام العثمانيون في هذا العهد ببعض الإصلاحات فأسسوا دارا للحکومة والبوليس أمام المسجد في بداية القرن الرابع عشر الهجري. بنوا أیضا دارا للصحة ودارا بجوار باب الوداع لیتخذه إدارة البريد. أنشأ عثمان نوري مضافا علی هذا دارا لضيافة الحاج. أصلح العثمانيون کثیرا من مجاري عین زبيدة وبنوا لها خزانات کما أصلحوا بعض المیضآت القديمة بجوار المسجد.[١٢]

الهوامش

  1. الجامع اللطيف، ابن ظهيرة : 26 . تاريخ القطبي : 23 .
  2. تاريخ مکة، ج1 :30 (ط السادسة 1984) .
  3. تاريخ مکة، السباعي، ج1 : 74 .
  4. تاريخ مکة، السباعي، ج1 : 83 .
  5. أخبار مکة، الأرزقي، ج20 : 230 .
  6. شفاء الغرام، الفاسي، ج1 : 388 .
  7. تاج تواريخ البشر، الشيخ سعيد الحضراوي .
  8. إفادة الأنام، الشيخ عبدالله غازي .
  9. تاریخ الکعبة، الشيخ حسين باسلامة : 199 .
  10. الأعلام، القطبي : 146 .
  11. الأعلام، القطبي : 151 .
  12. اتحاف الوری ، ابن فهد القرشي .

المنابع