الاستطاعة
الإستطاعة هي القدرة علی أداء الحجّ؛ وهي شرط من شروط وجوب الحج لا تفترض حجة الإسلام علی المکلّف من دونها. تنقسم الإستطاعة إلی المالية والبدنية فالإستطاعة المالية بمعنی أنّ للإنسان أموال تکفي للذهاب إلی مکة والإیاب إلی بلده ومصاریفه في السفر ومؤونة عائلته والرجوع إلی الکفاية بشکل یناسب شأنه. والإستطاعة البدنية بمعنی أن للإنسان قدرة جسمية للذهاب والإیاب ولأداء أعمال الحج مباشرة بعضها أو جملتها. إن لم یستطع أداء هذه الأعمال بنفسه، یجب علیه الإستنابة فیها. هناك بعد غیر فقهي من الإستطاعة یشیر إلی تعلّم ما علی المکلّف في الحجّ والتخلّق بالأخلاق المناسبة في أثناء الحج.
في القرآن
الإستطاعة شرط لوجوب الحج علی المکلّف؛ إن لم یکن یستطیع مالا أو بدنا أو أمنا تأدية الحجّ، لم یکن حجة الإسلام واجبة له. هذا الحکم الفقهي مأخوذ من الآية السبعة والتسعين في سورة آل عمران:
«فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ.»
الاستطاعة الماليّة
الإستطاعة هي أن یکون للإنسان مال یزید علی مؤونة عیاله بحیث یکفیه للذهاب إلی مکة لأداء الحجّ من الزاد والراحلة ، وأن تکون له ولعیاله أموال باقية کافیة لمعیشتهم عند رجوعه من الحج. وقد عبّر الفقهاء عن النفقة في المسائل بالزاد، وعن وسائط النقل بالراحلة.[١]
معية الزاد والراحلة
فيوجب الحجّ بوجود الزاد والراحلة معا، فإن وجد أحدهما لا يجب علي المکلّف فرض الحجّ، مثلا عندما کان له الزاد ولکن لم یستطع إعداد الراحلة لا یجب علیه الإتیان بحجة الإسلام وإن كان قادرا علی المشي.[٢] و هذا رأي کلّ المذاهب الإسلامية إلّا مالك الذي یعتقد بتحقّق الإستطاعة إذا کان للمکلّف الزاد والقدرة علی المشي إلی مکة. [٣]
نفقة الإياب
علی رأي فقهاء الإماميّة وجود نفقة الإياب لازم في تحقق الإستطاعة ووجوب الحجّ عندما أراد المكلّف العودة إلى وطنه، أمّا إذا لم يرد العود وأراد السكنى في بلد آخر غير وطنه أو في نفس مکة، فلابُدّ من وجود النفقة إلى ذلك البلد، ولا يعتبر وجود مقدار العود إلى وطنه.
ولکن إذا كان البلد الذي يريد السكنى فيه أبعد من وطنه ، لم يعتبر وجود النفقة إلى ذلك المكان، بل يكفي في الوجوب وجود مقدار العود إلى وطنه.
الرجوع إلى الكفاية
يلزم لتحقق الإستطاعة أن يكون المكلّف على حالة لا يخشى على نفسه وعائلته من الفقر بعدما یعود من الحجّ فلا يجب على من يملك مقداراً من المال يفي بمصارف الحجّ وكان ذلك وسيلة إعاشته وإعاشة عائلته ولا يتمكن من المعیشة عن طريق آخر يناسب شأنه.كلّ ذي حِرفة كالحدّاد والبنّاء، والنجّار وغيرهم ممّن يفي كسبهم بنفقتهم ونفقة عوائلهم، يجب عليهم الحجّ إذا حصل لهم المال الکافي للمصاریف الحج ولنفقة أسرته مدة سفره بإرثٍ أو غيره. إذا اقترض مقداراً من المال يفي بمصاریف الحجّ، وكان قادراً على قضائه بعد ذلك، وجب عليه الحجّ. وإذا كان عنده المال الکافي لكنه معتقد بعدم کفایته، أو كان غافلاً عنه، أو كان غافلاً عن وجوب الحجّ عليه، لم یکن الحج واجبا علیه.
الاستطاعة البذلية
الاستطاعة البذلية قسم من الإستطاعة المالية فإنّها تتحقق عندما یعطي شخص شخصا المال الوافي لمصاریف الحج وعودته إلی الکفاية ولا يفرّق في ذلك بين أن يكون الباذل واحداً أو متعدداً؛ إن وقع کذلك وجب علی الشخص الإتیان بالحج. لا فرق بین إعطاء وسائط المعيشة والسفر وبین إعطاء ثمنه. إذا کان المکلف قد قبِل خدمة وعملا في مسیر الحج واستطاع الإتيان بالحج یجب علیه أیضا.
لا يجب الرجوع إلى الكفاية في الاستطاعة البذلية فإن بذل شخص له أموال لأداء الحجّ یجب علیه الإتیان به ولکن لا یعتبر في تحقق الإستطاعة البذلية أن یکون له أموال کافية له ولعیاله عند الرجوع.
فإذا أُعطي مالاً على أن يحجّ، وجب عليه القبول، وأمّا لو خيّره المعطي بين الحجّ وغیره، أو أنه أعطاه مالاً من دون ذكر الحجّ، لم يجب عليه القبول. ولا يجب علی المکلف إلّا الحجّ الذي هو وظيفته، فلو كانت وظيفته حجّ التمتع، فبذل المعطي لـه حج القران، أو الإفراد، لم يجب عليه القبول، وبالعكس. الحجّ البذلي يجزئ عن حجة الإسلام، ولا يجب عليه الحجّ ثانياً إذا استطاع بعد ذلك.
الاستطاعة البدنيّة
وهي كون المكلّف مستطيعاً لأداء مناسك الحجّ كلّها أو بعضها، من دون حرج علي جسمه، فلو لم يقدر وعجز عن أدائها لمرض أو کبر السن أو غير ذلك ، لم يجب عليه الحجّ مباشرةً، بل تجب عليه الاستنابة. ولکن إذا کان له الإستطاعة البدنية فعلیه الحجّ رأسا. هذا رأي الإمامية والشافعية.[٤] ولکن برأي مالك ، وأبو حنيفة: لا تلزمه النيابة إذا لم یستطع عن أداء الحج مباشرة.[٥]
تخلية الطريق
لوجوب الحج، یلزم أن یکون الطریق مفتوحا مأمونا و لا یکون المکلّف ممنوعا من السفر أو متعرّضا لخطر من اللصوص أو الأعداء أو نحو ذلك. إذا تعذّر السفر من الطريق المتعارف وجب السفر من الطريق غير المتعارف مع القدرة والأمان وعدم لزوم الصعوبة.
سعة الوقت
یلزم أن تکون شروط وجوب الحجّ کلّها حاصلة في زمان یمکن السفر إلی بیت الله وتأدیة المناسك. إذا کان الزّمان واسعة لقطع المسافة یصیر الحجّ واجبا علی المکلّف وإلّا کان الحجّ واجبا علیه في السنة الآتیة مع حصول الشروط. إن لم تحصل الشروط في الزّمان الواسع، لا حجّ علیه وتوقف وجوبه على تمامية الشروط.[٦]
الإستطاعة العلمية والأخلاقية
لا یلزم هذه الإستطاعة لوجوب الحج من الجهة الفقهية ولکن یجدر علی الحاجّ أن یکسبها لأن یکون حجّه کاملا وصحيحا و یجدر أن یکسبها في شبابه لأنّه صعب جدا بعد تحقق الإستطاعة المالية له التي تتحقق عادة بعد نصف من عمر الإنسان. لا یهتمّ أکثر المسلمين بهذه الحجهة من الإستطاعة.
معنی الإستطاعة العلمية والأخلاقية هو تعلّم ما یجب ویستحب علی المکلف في أثناء سفر الحج وما یجب علیه الإجتناب عنه واکتساب الدروس المکتومة في أعمال الحج وأحکامه. مثلا عندما یرید المکلّف غیر العربي أن یحجّ، یأتي إلی رجال الدين لتصحيح صلاته وقرائتها ولکن یصعب علیه التفوّه بالحروف العربية من مخارجها الصحيحة؛ إن تعلّم القرائة في شبابه، کان صلاته أکمل في طوال حیاته ولم یکن یتحمّل هذه الصعوبة. وإن کان الحاج یتعلم أحوال مکة والمدينة في صدر الإسلام والحروب الواقعة، لکان یدرك هذا السفر الروحي بالشکل الأفضل والأتمّ.
یجدر أیضا أن یتخلّق الحاج بالأخلاق الحسنة الآتية من تعلّم الأحکام والآداب المرتبطة بالحج؛ علی الحاج أن ینظروا إلی الحجّ کفریضة وعبادة یترقی الشخص من الجهات الروحية.
مواقع ذات صلة
الهوامش
- ↑ الانصاف، المرداوي، ٣ /٣٦٢ .
- ↑ سنن الدار، قطني، ٢ /٢١٥ - سنن ابن ماجة ٢ /٩٦٧ - سنن الترمذي ٣ /١٧٧ - احكام القران للجصاص ٢ /٢٥ - الدر المنثور، السیوطي، ٢ /٥٦ .
- ↑ بداية المجتهد، ابن رشد، ١ /٣١٩ - مقدمات، ابن رشد، ١ /٢٨٨ - بلغة السالك، الصاوي، ١ /٢٦٣ - المغني، ابن قدامة، ٣ / ١٦٨ .
- ↑ بداية المجتهد، ابن رشد، ٢ /١٨٦ - ١٨٧ .
- ↑ بداية المجتهد، ابن رشد، ٢ /١٨٦ - ١٨٧ .
- ↑ التهذيب، الشیخ الطوسي، ٥ /٣ .