الهجرة
الهجرة في الإسلام تعني الخروج من أرض الكفر إلى أرض الإيمان بهدف حفظ الدين والنجاة من الأذى. والهجرة تشمل الهجرة الجغرافية (مثل هجرة المسلمين إلى المدينة) كما تطلق أيضاً على ترك المعصية والعودة إلى الله. وقد أكد القرآن الكريم في عدة آيات على وجوب الهجرة ووعد المهاجرين بالثواب في الدنيا والآخرة[^1].
الهجرة في تاريخ الإسلام تذكرنا بهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، والتي كانت نقطة تحول في تاريخ الإسلام. هذه الهجرة مهدت لتأسيس أول دولة إسلامية ونشر الإسلام، وأصبحت أيضاً بداية التاريخ الإسلامي. وقد تمت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة بتجاوز الطريق المعتاد والاختفاء في غار ثور. والعودة لمن هاجر إلى حال أو أرض ما قبل الهجرة (تَعَرُّب بعد الهجرة) محرمة في الإسلام وتعد من الكبائر[^2].
المصطلحات
كلمة الهجرة مصدر من الجذر هجر، ومعناها: ترك الشيء (ضد الوصل)، والابتعاد والانفصال، وقطع العلاقة والابتعاد عن شخص أو شيء[^3]. وقد قيل إن أصل هذه الكلمة في العربية تعني ترك البادية والدخول إلى المدينة[^4].
وفي الاصطلاح الإسلامي، الهجرة هي الخروج من أرض الكفر إلى أرض الإيمان بهدف حفظ الدين والتمتع بحرية أكبر في أداء الفرائض، أو النجاة من أذى المشركين والكفار[^5].
أقسام الهجرة
مفهوم الهجرة في الأدب الإسلامي استُخدم للهجرة الجغرافية من مكان إلى آخر، كما استُخدم للدلالة على ترك المعصية والرجوع إلى الله. ففي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، أفضل الهجرة هي الابتعاد عن المعصية[^6].
الهجرة في القرآن
أكد القرآن الكريم في عدة آيات على أهمية الهجرة في سبيل الله. في الآية ۲۱۸ من سورة البقرة، وُصف المؤمنون المهاجرون والجهادون بأنهم يأملون رحمة الله ومغفرته[^7].
وتوضح آيات ۹۷ و۱۰۰ من سورة النساء مصير الذين امتنعوا عن الهجرة رغم قدرتهم، وتعد المهاجرين بالثواب في الآخرة وزيادة الرزق[^8]. وفي آية ۷۲ من سورة الأنفال، يعتبر الله المهاجرين والأنصار أولياء بعضهم البعض، ويبين أن الصداقة مع من لم يهجر بعد لا تنفع حتى يهجروا[^9].
كما تؤكد الآية ۵۶ من سورة العنكبوت على ضرورة الهجرة من البيئة التي تنتشر فيها المعاصي، مشيرة إلى رحمة الله وسعة الأرض[^10]. وفي هذه الآيات، الإيمان يعتبر الأساس للهجرة.
الهجرة والمسلمون في صدر الإسلام
واجه المسلمون في بداية الإسلام ضغط وأذى المشركين في مكة، وقاموا بهجرتين. الأولى إلى الحبشة. ويقال إن الهجرة إلى الحبشة كانت على مرحلتين: الأولى في السنة الخامسة، ثم عادوا، وبعدها هاجروا مرة أخرى[^11].
الهجرة الثانية كانت إلى المدينة، وهي نقطة تحول في تاريخ الإسلام، حيث بدأت بدعوة أهل يثرب (المدينة) للنبي صلى الله عليه وسلم وأسفرت عن تأسيس أول دولة إسلامية وإنشاء مجتمع مستقل للمسلمين[^12].
هجرة المسلمين إلى المدينة
بعد تزايد ضغوط قريش على المسلمين، وبعد بيعة العقبة الأولى (سنة 12 من البعثة) وبيعة العقبة الثانية (سنة 13 من البعثة)، التزم أهل المدينة بالدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين[^13]. فقرر النبي صلى الله عليه وسلم هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة، وبدأت الهجرة في بداية السنة 14 من البعثة، حيث انتقل المسلمون جماعات إلى المدينة واستقروا بين القبائل المدنية، وعُرف هؤلاء باسم المهاجرين، بينما لقب مسلمو المدينة بالأنصار[^14].
هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
حين بدأ المسلمون بالهجرة، خططت قريش لقتل النبي صلى الله عليه وسلم[^15]. وعلمًا منه بخطط المشركين، غادر النبي صلى الله عليه وسلم مكة سرًا متجهًا إلى المدينة[^16]. وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلة الخميس الأول من ربيع الأول في السنة 14 من البعثة، أو وفق رواية أخرى، دخل غار ثور ليلة الاثنين قبل ثلاثة أيام من نهاية صفر، ومكث فيه ثلاثة أيام قبل الانطلاق إلى المدينة، واستغرق الوصول إلى قباء والمدينة خمسة عشر يومًا[^17].
ولم يسلك النبي صلى الله عليه وسلم الطريق المعتاد لقوافل مكة، بل سافر في الظلام وبتوجيه من عبدالله بن أريقط[^18]. وكان مسار الهجرة كالتالي: مكة، غار ثور، عسفان، أمج، رابغ رمل، ثنية المرة (المرار)، مدلجة الحجاج، جداجد (جباجب)، ذو سلم، عرج، بطن رئم (بطن ريم)، ملل، وقباء[^19].
تَعَرُّب بعد الهجرة
«تَعَرُّب بعد الهجرة» يعني العودة إلى البادية بعد الهجرة. وقد نُهي عنه في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم واعتُبر من الكبائر[^20]. والمعنى أنه بعد قبول الدين أو الهجرة إلى مكان آمن لحفظ الدين، يعود الشخص إلى مكانه السابق أو إلى مكان يهدد دينه. كما يفسر على أنه العودة إلى الجهل والضلال[^21].
ووفق رواية عن الإمام الصادق عليه السلام، المتعرب بعد الهجرة هو من يتخلى عن ولاية أهل البيت عليهم السلام بعد معرفتها[^22]. وقال الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة: «صِرتم بعد الهجرة أعرابيا» أي «أنتم بعد الهجرة أصبحتم بدوًا»[^23].
مبدأ التاريخ الإسلامي
قبل الإسلام، كان العرب يعتمدون في تواريخهم على عام الفيل (أي 40 سنة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم). وفي السنة 16 أو 17 بعد الهجرة، في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، اعتُمدت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة كبداية للتقويم الإسلامي[^24]. وذكر بعض العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه أمر بتحديد التاريخ من الهجرة[^25].