مولد النبي (ص)
مكتبة مكة التي بُنيت مكان مولد النبي | |
المعلومات الأولية | |
---|---|
المکان | مكة، المسجد الحرام |
الإستعمال | مكتبة |
|
مولد النبي (ص) هو دار عبد الله بن عبد المطلب، حيث ولد فيه رسول الله (ص)؛ ويقع هذا المكان في مدينة مكة في شعب أبي طالب. وفي القرن الثاني للهجرة اشترت خيزران أم هارون الرشيد ذلك المكان، وجعلت منه مسجداً.
وتظهر الأخبار من القرن السادس فصاعداً، أنه تم بناء نصب تذكاري مصنوع من الرخام المزخرف في جزء من المسجد احتفاء بمولد النبي (ص). ومع إعادة إعمار المسجد عام 1009هـ، تم بناء مئذنة وقبة كبيرة عليه.
يعتبر مسجد مولد النبي من الأماكن المتبرّك بها في مكة، حيث كان أهل مكة يحضرون إليه كل عام في ليلة مولد النبي (ص). وأفادت تقارير من القرن العاشر بوجود طقوس رسمية خاصة أقيمت في الليلة الثانية عشرة من ربيع الأول، وذلك بحضور ممثل الدولة العثمانية في مكة (وهو المشرف على المسجد الحرام).
ونظراً لأهمية وشهرة مولد النبي فقد أعيد بناء هذا المبنى عدة مرات بأمر من السلاطين والحكام، إلا أنه تعرض للتدمير في عهد آل سعود، مثل كثير من الأماكن والمباني المقدسة بمكة (عام 1343هـ). وفي عام 1370هـ تم بناء مكتبة في هذا المكان تخليداً لذكراه، ولا تزال موجودة حتى الآن، وتسمى "مكتبة مكة المكرمة".
التاريخ
إن البيت الذي ولد فيه رسول الله (ص) والواقع في شعب أبي طالب في "سوق الليل"، يُعتبر "دار مولد النبي (ص)". وهناك أماكن أخرى أيضاً، تذكر كاحتمالات لمولد النبي في بعض المصادر التاريخية، وهو ما لا يوافق عليه معظم مؤرخي مكة.[١]
حتى القرن الثالث
وبحسب الأزرقي في كتابه أخبار مكة، والمعاصر للقرن الثالث للهجرة، فإن المولد النبوي، أي الدار التي ولد فيها النبي، آلت إلى عقيل بن أبي طالب بعد هجرته، وتم نقلها لأولاد عقيل حتى بيعت لمحمد بن يوسف الثقفي، فضمها إلى داره التي كانت تسمى البيضاء. ومن ثم قامت خيزران أم هارون الرشيد أثناء حجها سنة 171هـ بشرائها، وشيّدت فيها مسجداً لإقامة الصلاة. ويصرح الأزرقي: أنه لا يوجد خلاف في محل مولد النبي لدى أهل مكة.[٢] وقد أورد المؤرخ القديم لتاريخ مكة، الفاكهي (وفاة 275 هـ) نفس الكلام.[٣]
رواية ابن جبير (القرن السابع)
وقد زار ابن جبير (وفاة 614 هـ) هذا المسجد عام 579هـ ووصفه في كتاب رحلته.[٤] واعتبر المبنى مسجداً رائعاً "يفتح هذا الموضع المبارك؛ فيدخله الناس كافة متبركين به، وذلك يوم الاثنين، في شهر ربيع الأول، شهر مولد النبي (ص)، وفي اليوم المذكور ولد (ص)، وتفتح الأماكن المقدسة المذكورة كلها. وهو يوم مشهود بمكة دائما"[٥]
وبحسب ابن جبير فإن المولد النبوي في هذا المسجد على هيئة صهريج صغير سعته ثلاثة أشبار، وفي وسطه رخامة خضراء سعتها ثلثا شبر مطوقة بالفضة فتكون سعتها مع الفضة المتصلة بها شبراً، ويقع محراب المسجد بإزائها.[٦]
رواية الفاسي (القرن التاسع)
وبعد أكثر من قرنين من الزمن، قدم تقي الدين الفاسي (وفاة 832هـ)، مؤرخ مكة في كتابه شفاء الغرام، وصفاً لهذا المكان الذي كان محط اهتمام أهل مكة وتكريمهم. حيث يصور بناء المسجد بأنه بيت مربع وفيه أسطوانة عليها عقدان، وفي ركنه الغربي مما يلي الجنوب زاوية كبيرة قبالة بابه الذي يلي الجبل.[٧]
رواية أوليا الجلبي (القرن الحادي عشر)
وبعد قرنين ونصف، في عام 1081هـ، رأى كاتب الرحلات التركي أوليا الجلبي مولد النبي ووصفه في كتابه. وقد وصف هذا المبنى بأنه مسجد كبير وجميل، وهو عبارة عن بناء مربع ذي قبة عالية ومغطى بالرصاص. وذكر الجلبي الزخارف الموجودة داخل المسجد، بما في ذلك السجادة القيمة والمنبر المغطى بقماش الحرير والباب المصاغ من الذهب. وعلى حد قوله فإن دار مولد النبي كان حجراً في حفرة صفراء مطبوع عليها "مكان جسده".[٨]
آخر الأوصاف لمبنى مولد النبي قبل تدميره
كتب الملا إبراهيم الكزروني، الذي تمكن من زيارة هذا البيت عام 1315هـ: "في يوم الجمعة الرابع عشر ذهبنا لزيارة النبي (ص) في مكان يعرف بمولد النبي (ص)، وذلك المكان يقع في سوق الليل. دخلنا إلى الداخل ونزلنا حوالي أربع عشرة درجة، ومن ثم دخلنا غرفة تحمل اسم المسجد، وذهبنا بعدها لغرفة أخرى. حيث يوجد الضريح فيها. فتح الخادم باب الضريح، فكان هناك حفرة داخله، وفي وسطها حجر أخضر، وهو مكان ميلاد حضرة النبي.
سافر محمد لبيب البتنوني سنة 1909م إلى مكة، وفي رحلته استوحى المخطط أعلاه من مخطط بناء النبي، ووصفه كما يلي: "هو مكان قد ارتفع الطريق عنه بنحو متر ونصف، وينزل إليه بواسطة درجات من الحجر توصل إلى باب يفتح إلى الشمال يدخل منه إلى فناء يبلغ طوله نحو اثني عشر متراً في عرض ستة أمتار وفي جداره الأيمن الغربي باب يدخل منه إلى قبة في وسطها ـ يميل إلى الحائط الغربي ـ مقصورة من الخشب، داخلها رخامة قد تقعر جوفها لتعيين مولد السيد الرسول (ص). وهذه القبة والفناء الذي خارجها لا يزيد مسطحهما عن ثمانين متراً مربعاً، وهما يكوّنان الدار التي ولد فيها رسول الله (ص).[٩]
الترميمات
وقد حظي بناء مولد النبي باهتمام الأمراء والسلاطين وتم تجديده عدة مرات. قائمة هذه التجديدات هي كالتالي:
- سنة 576هـ الخليفة العباسي الناصر لدين الله.
- سنة 666هـ حاكم اليمن الملك المظفر.
- سنة 740هـ حاكم اليمن السلطان المجاهد.
- سنة 758هـ من أمراء مصر الأمير شيخون.
- سنة 766هـ سلطان مصر الملك شعبان.
- سنة 801هـ سلطان مصر الملك الظاهر برقوق.[١٠]
في العصر العثماني
- في عام 935هـ السلطان سليمان العثماني.
- عام 1009هـ بأمر السلطان محمد العثماني بإشراف غضنفر آغا.[١١] وفي هذا التجديد، تم بناء قبة كبيرة ومئذنة لهذا المبنى، وحددت له أوقاف من قبل الحكومة العثمانية، كما تم تعيين مؤذن وخادم وإمام للمسجد.[١٢]
- في عام 1230هـ، محمد علي باشا بأمر من ملك مصر السلطان محمود خان.
- ويقال أن آخر إصلاح كان في زمن عبد المجيد خان.[١٣]
الاحتفال بالمولد النبوي في مسجد مولد النبي
وفي القرن السادس تحدث ابن جبير عن حضور أهل مكة في المسجد النبوي يوم الاثنين في شهر ربيع الأول بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي. وتوجد أنباء عن الاحتفال به في هذا المكان في القرون اللاحقة.
وقدم محمد بن أحمد النهروالي (990م) تقريراً مفصلاً عن طقوس المولد النبوي في القرن العاشر. ووفقاً له، فإنه في الليلة الثانية عشرة من ربيع الأول من كل عام، وبعد صلاة المغرب، يجتمع الفقهاء والأعلام والشيوخ والناس أمام مشارف المسجد الحرام، وهم يحملون الكثير من الشموع والمشاعل، كما يذهب قضاة المذاهب الأربعة من المسجد الحرام إلى سوق الليل، فيمشون لمكان مولد النبي ويجتمعون بالقرب من محل ولادته. ويقرؤون الخطبة هناك، وبعدها يأتي الناس إلى المسجد الحرام، ويقدمون الخلعة لبعض سادات المقام، ويقيمون صلاة العشاء، ومن ثم تنتهي المراسم.[١٤]
وبعد أكثر من قرن من الزمن، روى أحد الكتاب الرحالة أثناء ذهابه للحج عام 1105-1106هـ نفس تقرير النهروالي ووصف هذا الحفل بأنه تجمع كبير شارك فيه العديد من البدو وسكان المدن الأخرى (باستثناء مكة).[١٥]
هدم البناء وتشييد المكتبة
وفي عهد حكومة آل سعود، تم هدم دار مولد النبي في عام 1343هـ، كالعديد من المباني القديمة في مكة، بحجة مبالغة الناس في التبرك به[١٦].
ونظراً لعدم وجود قبر يمكن زيارته في هذا المكان، حاول بعض الأشخاص لاحقاً الحصول على إذن لإعادة بنائه. وفي عام 1370هـ صدر الإذن ببناء مكتبة في هذا المكان.
دفعت فاطمة بنت يوسف القطان رأس مال بناء المبنى، وأشرف على تشييده أخوها الشيخ عباس القطان (1370هـ)، وبعد وفاته أكمل أبناؤه تشييد المبنى. وبهذه الطريقة تم بناء "مكتبة مكة المكرمة" في هذا المكان. [١٧]
الهوامش
- ↑ ردّ صاحب كتاب شفاء الغرام هذه الاحتمالات وضعفها. ج 1، ص 270.
- ↑ تاريخ مكة، الأزرقي، ج 2، ص 198.
- ↑ أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، ج 4، ص 5.
- ↑ رحلة ابن جبير، ص 82، وص 125.
- ↑ رحلة ابن جبير، ص 82
- ↑ رحلة ابن جبير، ص 125 - 126.
- ↑ شفاء الغرام، ج 1، ص 268.
- ↑ الرحلة الحجازية، أوليا الجلبي، ص 255- 256.
- ↑ سفرنامه حجاز، ترجمة الرحلة الحجازیة محمد لیبي البتنوني، ص 146.
- ↑ شفاء الغرام، ج 1، ص 270.
- ↑ منائح الكرم، ج 3، ص 506.
- ↑ تاريخ مكة، اتحاف فضلاء الزمن بتاريخ واليه بني الحسن، ج 2، ص 15.
- ↑ إفادة الأنام، ج 2، ص 71.نقلا عن الأعمال الإسلامية في مكة والمدينة، ص 185.
- ↑ کتاب الأعلام بإعلام بیت الله الحرام، ص 422.
- ↑ الحقیقة والمجاز، ج 3، ص 354-355.
- ↑ معالم مكة التاريخية والأثرية، ص 294.
- ↑ التاريخ القويم، ص 173 – 171؛ مكتبة مكة المكرمة قديما وحديثا، ص 80.
المنابع
- آثار إسلامي مكة ومدينة، رسول جعفريان، طهران، مشعر، 1391 ش.
- الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز، عبد الغني النابلسي، تحقيق رياض عبد الحميد مراد، دمشق، دار المعرفة، 1419 هـ.
- الرحلة الحجازية، أوليا الجلبي، ترجمه للعربية: أحمد المرسي، دار الآفاق العربية، 1420 هـ.
- تاريخ مكة، اتحاف فضلاء الزمن بتاريخ واليه بني الحسن، محمد بن علي الطبري، تحقيق محسن محمد حسن سليم، القاهرة، دار الكتاب الجامعي، 1413 هـ.
- شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، محمد بن أحمد الفاسي، بيروت، دار الكتب العلمية، د.ت.
- كتاب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام، محمد بن أحمد النهروالي، تحقيق علي محمد عمر، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية، 1425 هـ.
- معالم مكة التاريخية والأثرية، عاتق بن غيث البلادي، دار مكة، 1403 هـ.
- مكتبة مكة المكرمة قديما وحديثا، عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، الرياض، مكتبة الملك فهد الوطنية، 1433 هـ.
- إفادة الأنام بأخبار بلد الله الحرام، مكي، عبد الله غازي.
- الأرج المسكي في التاريخ المكي، علي بن عبد القادر الطبري.
- تاريخ مكة، أبو الوليد محمد بن عبدالله الأزرقي، قم، مكتبة الشريف الرضي.
- رحلة ابن جبير، أبو الحسين، محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي، بيروت، دار ومكتبة الهلال.
- سفر نامة ابن جبير، ترجمة پرويز أتابكي، آستان قدس رضوي، 1370
- سفر نامة حجاز، محمد لبيب بتنوني، ترجمة هادي أنصاري، مشعر 1381ش.
- سفر نامة ملا إبراهيم كازروني، ميراث إسلامى إيران، المكتب الخامس، 1376 ش.
- شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، تقي الدين أحمد الفاسي، مكة، دار إحياء الكتب العربية، 1956 م.
- منائح الكرم، علي بن تاج الدين السنجاري، مكة، جامعة أم القرى، 1998 م.