دحو الأرض، بمعنى تمدد الأرض وانبساطها، وقد فسّره البعض بظهور اليابسة من تحت الماء، وذهب البعض إلى أنّ المراد منه هو دوران الأرض ومسيرها حول الشمس (مدار الأرض). وقد أشار القرآن الكريم في سورة النازعات الآيات 27 حتى 33 إلى دحو الأرض وتمدّدها بعد خلق السماوات ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ . وبحسب بعض الروايات الإسلامية امتدّت الأرض من مكة أو من تحت الكعبة، وبناء على روايات أخرى حدث دحو الأرض يوم 25 من ذي القعدة، ويستحب الغسل والصيام في هذا اليوم.

المفهوم

دحو الأرض من دحا يدحو بمعنى بسط الأرض[١] وذهب البعض إلى أنّ المراد من الأرض هنا هي اليابسة (في مقابل البحر والجبال)، لا الكرة الأرضية.[٢]

ويقصد من مصطلح دحو الأرض تمددها وانبساطها من تحت الكعبة.[٣] واعتبر البعض أنّ المراد منه هو تمدّد اليابسة، حيث أنّ سطح الكرة الأرضية في بداية خلقها كانت تحت الماء، ثم انحسر الماء إلى المنخفضات، فظهرت اليابسة.[٤]

واعتقد الشهرستاني من علماء الهيئة المعاصرين أن المراد من دحو الأرض هو دوران الأرض وحركتها الانتقالية حول الشمس، ولا يفيد معنى التمدد والانبساط.[٥] فيما طرح بعض المفسرين احتمالا آخر لمعنى دحو الأرض، وهو إعداد الأرض للحياة من خلال إخراج المياه الداخلية، وإنبات النباتات، وإزالة العقبات، بإرساء الجبال.[٦] فبناء على هذا الاحتمال وبالنظر إلى كروية الأرض، فلا يعني دحو الأرض انبساطها المادي.[٧]

يوم دحو الأرض وأعماله

وفقاً لبعض الروايات حدث دحو الأرض يوم 25 ذي القعدة.[٨] ويستحب في هذا اليوم الغسل والصيام،[٩] وذكر لهما ثواب كثير.[١٠]

في الكتب السماوية

وردت الإشارة إلى دحو الأرض في الكتب السماوية كالقرآن والتوراة:

في التوراة

أشارت التوراة إلى واقعة دحو الأرض فجاء فيها:‌

وَقَالَ اللهُ: «لِتَجْتَمِعِ الْمِيَاهُ تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ». وَكَانَ كَذلِكَ. 10وَدَعَا اللهُ الْيَابِسَةَ أَرْضًا، وَمُجْتَمَعَ الْمِيَاهِ دَعَاهُ بِحَارًا. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ.[١١]

في القرآن

وتطرق القرآن إلى دحو الأرض،[١٢] فتحدّث في سورة النازعات الآيات 27 - 33 عن انبساط الأرض بعد خلق السموات، حيث عبّر عنه في الآية 30 قائلا: ﴿وَالأرض بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا﴾.[١٣] كما أقسم في سورة الشمس: ﴿وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا﴾ حيث يرى بعض المفسرين أنّ «الطحو» كان في الأصل «الدحو».[١٤]

تمدّد الأرض من تحت الكعبة

اعتقد بعض المفسرين وبالاستناد إلى الآية 96 من سورة آل عمران أنّ الكعبة هي أول بيت وضع على الكرة الأرضية،‌ فبناء عليه اعتقدوا أن تمدّد الأرض كان من تحت الكعبة، وإليه تشير الآية القرآنية.[١٥] وقد ورد في بعض الروايات أنّ الله خلق الكعبة 2000 عام قبل دحو الأرض،[١٦] كما تؤكد العديد من الروايات أنّ دحو الأرض كان من مكة ومن تحت الكعبة.[١٧]

أم القرى

عبّر القرآن عن مكة بأمّ القرى، وذلك في الآية 92 من سورة الأنعام و7 من سورة الشورى. وذهب بعض المفسرين إلى أنّ سبب هذه التسمية هو أنّ الماء في بداية الخلق كان قد غطّى الأرض بأكملها، واليابسة الوحيدة عليها هو مكان الكعبة، ثمّ تمدّدت اليابسة من أطراف الكعبة.[١٨] وإليه تشير رواية عن الإمام علي (ع).[١٩] وورد في رواية عن النبي (ص): دحيت الأرض من مكة ولذلك سميت أمّ القرى.[٢٠]

ربما يخيّل أن الكعبة إذا كانت أول نقطة أرضية خرجت من الماء، فيلزم من ذلك أن تكون أعلى نقطة في الأرض، لكن الواقع أن دحو الأرض حدث قبل ملايين السنين، وقد ظهرت أثناء هذه المدة تغيرات وتطورات جغرافية، مما غيّر وجه الأرض كلّياً، فهبطت بعض الجبال إلى أعماق البحار، وارتفعت أعماق البحار، فصارت جبالاً.[٢١]

الهوامش

  1. لسان العرب، ج14، ص251.
  2. نثر طوبى، ج1، ص17، 253؛ دروس هيئت، ج1، ص232.
  3. مسالك الأفهام، ج2، ص77؛ ذخيرة المعاد، ج1، ق3، ص519؛ مدارك الأحكام، ج6، ص265.
  4. نثر طوبى، ج1، ص17؛ زمين وآسمان، ص51-53.
  5. الهيئة والإسلام، ص65-66.
  6. التفسير الكبير، ج31، ص48؛ تفسير ابن كثير، ج1، ص123.
  7. تفسير النسفي، ج4، ص315؛ تفسير المراغي، ج30، ص31-32.
  8. إقبال الأعمال، ج2، ص24-38؛ روضة الطالبين، ص351.
  9. مشارق الشموس، ج2، ص451؛ مكيال المكارم، ج2، ص35.
  10. الكافي، ج4، ص149؛ المصباح، ص514؛ الحدائق الناظرة، ج4، ص235.
  11. الكتاب المقدس، سفر التكوين، 1: 9-11.
  12. جامع البيان، ج30؛ ص29؛ التبيان، ج10، ص260؛ الكشف والبيان، ج10، ص127.
  13. مجمع البيان، ج10, ص660؛ تفسير السمرقندي، ج3، ص522؛ تفسير البغوي، ج4، ص444.
  14. التبيان، ج10، ص358؛ التفسير الكبير ج31؛ ص192؛ لسان العرب، ج15، ص4، «طحا».
  15. مجمع البيان، ج2، ص797؛ البحر المحيط، ج4، ص583.
  16. الكافي، ج4، ص190؛ الأمالي، ص715؛ من لا يحضره الفقيه، ج2، ص241.
  17. الدر المنثور، ج8، ص412؛ وسائل الشيعه، ج10، ص449-451؛ بحار الأنوار، ج54، ص64؛ الكافي، ج4، ص189؛ من لا يحضره الفقيه، ج2، ص241.
  18. التبيان، ج4، ص201؛ تفسير بغوي، ج1، ص115؛ تفسير السمرقندي، ج1، ص 486.
  19. تفسير الإمام العسكري7، ص145؛ بحار الأنوار، ج54، ص88.
  20. التبيان، ج1، ص131؛ الدر المنثور، ج3، ص29.
  21. مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج4، ص380 - 381.

المنابع

  • الهيئة والإسلام،، السيد هبة الدين الشهرستاني، بغداد، مطبعة الآداب.
  • إقبال الأعمال، ابن طاووس (664هـ)، تحقيق: جواد القيومي، قم، النشر الإسلامي، 1415هـ.
  • الأمالي، الصدوق (381هـ)، قم، البعثة، 1417هـ.
  • بحار الأنوار، المجلسي (1110هـ)، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403هـ.
  • البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي (754هـ)، بيروت، دار الفكر، 1420هـ.
  • التبيان، الطوسي (460هـ)، تحقيق: العاملي، بيروت، دار إحياء التراث العربي.
  • تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم)، ابن كثير (774هـ)، تحقيق: شمس الدين، بيروت، دار الكتب العلمية، 1419هـ.
  • التفسير الكبير، الفخر الرازي (606هـ)، قم، دفتر تبليغات، 1413هـ.
  • تفسير المراغي، المراغي (1371هـ)، بيروت، دار إحياء التراث العربي.
  • تفسير الإمام العسكري، تحقيق: ابطحي، قم، مدرسة الإمام المهدي، 1409هـ.
  • تفسير البغوي (معالم التنزيل)، البغوي (510هـ)، برعاية خالد عبد الرحمن، بيروت، دار المعرفة.
  • الكشف والبيان، الثعلبي (427هـ)، تحقيق: ابن عاشور، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1422هـ.
  • تفسير السمرقندي (بحر العلوم)، السمرقندي (375هـ)، تحقيق: محمود مطرجي، بيروت، دار الفكر.
  • تفسير النسفي (مدارك التنزيل)، النسفي (701هـ).
  • جامع البيان، الطبري (310هـ)، بيروت، دار المعرفة، 1412هـ.
  • الحدائق الناضرة، يوسف البحراني (1186هـ)، تحقيق: آخوندي، قم، دار النشر الإسلامي، 1363ش.
  • الدر المنثور، السيوطي (911هـ)، بيروت، دار الكتب العلمية، 1421هـ.
  • ذخيرة المعاد، محمد باقر السبزواري (1090هـ)، آل البيت: د. ت.
  • روضة الطالبين، النووي (676هـ)، تحقيق: عادل أحمد وعلي محمد، بيروت، دار الكتب العلمية.
  • فرهنگ فرزان، سيد حميد طبيبيان، فرزان، 1378ش.
  • قاموس كتاب مقدس، مستر هاكس، طهران، أساطير، 1377ش.
  • الكافي، الكليني (329هـ)، تحقيق: غفاري، طهران، دار الكتب الاسلامية، 1375ش.
  • الكتاب المقدس، سفر التكوين، الأصحاح الأول.
  • لسان العرب، ابن منظور (711هـ)، قم، أدب الحوزة، 1405هـ.
  • مجمع البيان، الطبرسي (548هـ)، تحقيق: محمد جواد بلاغي، طهران، ناصر خسرو، 1372ش.
  • مدارك الأحكام، السيد محمد بن علي الموسوي العاملي (1009هـ)، قم، آل البيت، 1410هـ.
  • مسالك الأفهام إلى آيات الاحكام، الشهيد الثاني (965ق)، قم، المعارف، 1413هـ.
  • مشارق الشموس، حسين بن جمال الدين الخوانساري (1099هـ)، آل البيت، د. ت.
  • المصباح، الكفعمي (905هـ)، بيروت، الأعلمي، 1403هـ.
  • المفردات، الراغب (425هـ)، تحقيق: صفوان الداودي، دمشق، دار القلم، 1412هـ.
  • مكيال المكارم، محمد تقي الموسوي الأصفهاني (1348هـ)، تحقيق: سيد علي عاشور، بيروت، الأعلمي، 1421هـ.
  • من لا يحضره الفقيه، الصدوق (381هـ)، تحقيق: غفاري، قم، النشر الإسلامي، 1404هـ.
  • نثر طوبى، الشعراني (1393هـ)، طهران، دار الكتب الاسلامية، 1398هـ.
  • الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مكارم الشيرازي، قم، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، 1379هـ.