مجتمع الجاهلية
ان النظام الإجتماعي لعرب الجاهلية هي حصيلة التفاعل بينهم وبين البيئة التي عاشوا فيها فقد خضعوا لشروط بيئتهم ولاءموا حياتهم الإجتماعية مع الظروف الطبيعية التي نشأوا فيها.
عوامل التماسك
وفيما يخصّ عوامل التماسك فإننا نجد عددا واضحا منها في التکوينات القبلية تهدف إلی إشاعة التماسك حسب تصور معين في المجتمع القبلي ومن هذه العوامل، عامل العصبية وعامل آخر مکمّل له وهو الثأر.
تتولد العصبية القبلية عند الأفراد عن وعي أو غير وعي وتستمر بتعاقب الأجيال علی نمط عاطفة عميقة وفکرة ثاقبة فهي بمثابة الرباط الذي يشد بطون القبيلة وأفرادها بعضهم إلی بعض فيجعلهم يدا واحدة.
ولولا هذا الشعور لما کان في وسعهم أن يدافعوا عن أنفسهم ومصالحهم. فالعصبية القبلية بهذا المعنی هي البديل الذي لابد منه للرابطة القومية ولکن في حيزها المتطرف.
ويقترن بالعصبية القبلية عادة الثأر إذ تقضي تقاليد البادية أن يطالب أهل المقتول بقاتله ليقتلوه به وهو الأمر المعروف باسم القود إلا إذا رضو بدية القتيل.
عوامل الإنقسام
ولکن مع کل العوامل المؤشرة إلی التماسك سواء في مجتمع التکوينات القبلية أو في مجتمع التکوينات الکبيرة فإن عوامل الإنقسام کانت موجودة في داخل هده التکوينات في الوقت ذاته. ففي المجتمع القبلي، رغم ما کانت عليه العصبية من رسوخ، يدفع القبيلة إلی أن تخفّ للدفاع عن أي فرد من أفرادها إذا تعرض لأذی أو اعتداء أو إهانة من قبيلة أخری؛ فإن نداء العصبية هذه لم يکن يمارس بنفس الحماس في حالة کل الأشخاص.
ولعل الأقرب إلی الواقع في هذا الصدد هو أن هذا الحماس في الإستجابة لنداء العصبية کان يشتد أو يخف أو حتی ینعدم حسب وضع الشخص في القبيلة فإذا کان من الوجهاء أو الأعيان أو السادة فإن القبيلة تهب في استجابة فورية لهذا النداء؛ کما حدث علی سبيل المثال فيما يرويه ابن الأثير من غضب عمرو بن کلثوم حين أحسّ أن إهانة قد لحقت بأمة علی يدي أم الأمير اللخمي عمر بن هند فنادی آل قبيلته تغلب واستجابت القبيلة للنداء وکان بعدها صدام مسلح انتهی لصالح التغلبيين.
رتب الأنساب
تشتمل الأنساب الشعب، القبيلة، العمارة، البطن، الفخذ والفصيلة. وکلّها أصول وفروع للنسب القبلي تقابل أسماء من أعضاء الجسم.
الشعب
وهي تشمل النسب الأبعد کعدنان وقحطان ونسل کلّ منهما شعب فهما شعبان. وفي القاموس الشاعبان هما المنکبان لتباعدهما وفيه أيضا الشعب موصل قطع الرأس في أعلاه وربما سمي الشعب بهذا الإسم لأنه أعلی مرتبة من مراتب النسب مثلما الشعب في أعلی رأس.
القبائل
القبائل تتفرع من الشعب کما تتفرع قبائل الرأس وهي قطع عظم الرأس المشعوب بعضها إلی بعض من أعلی الرأس. يقول القلقشندي: القبيلة هي ما انقسم فيه الشعب کربيعة ومضر.
ربما سميت القبائل باسم جماجم أيضا: «جماجم العرب هي القبائل التي تجمع البطون.»
العمارة
وهي بمثابة العنق والصدر من الإنسان وهي ما انقسمت فيه أقسام القبيلة کقريش أو کنانة.
البطن
وهو ما انقسمت فيه أقسام العمارة کبني عبد مناف وبني مخزوم.
الفخذ
وقد جعلوها بعد البطن لأن الفخذ من الإنسان بعد البطن والفخذ ما انقسمت فيه أقسام البطن کبني أمية علی سبيل المثال.
الفصيلة
وقد جعلوها بعد الفخذ لأنها النسب الأدنی الذي يفصل عنه الرجل بمثابة الساق والقدم والفصيلة ما انقسمت فيه أقسام الفخذ کبني العباس.
الإرث
کان الإرث من حقّ الرجل فقط وقد حرمت منه المرأة والأولاد الصغار والجواري والبنات ويظهر أن هذا الحق قد خصّ به الذين يرکبون الخيل ويحملون السلاح وقاعدتهم في ذلك «لا يرث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال.»
وللرجال أن يرثوا من النساء وأن يرثوهن أنفسهن کما يرثون المتاع (يرث لإبن الأکبر زوجات أبيه) ومن مات عن بنات ولم يکن له أبناء ذکور يرثه إخوته وتحرم بناته من ميراثه ولکن يظهر أن حرمان المرأة من الميراث لم يکن عاما في جميع القبائل بل إن بعضها کانت تعطي النساء الحق في الإرث.