العلم في زمن النبي

عندما کان النبي ساکنا بمکة بعد، أجمع بعض أصحابه في دار الأرقم بن أبي الأرقم وأهّلهم بشکل سرّي بتعليم بعض العلوم واستمرّت هذه الدار تستقبل المومنین الجدد لیتعلموا فيها تعاليم الإسلام(5) وبعدما انطلقت الدعوة إلي المرحلة العلنية، ضاقت دار الأرقم وأراد الرسول أن یتّخذ المسجد الحرام موضعا للتعليم ولکن احتدم االصراع بين المسلمين والمشرکين واضطرّ النبي أن یخرج من مکة إلی المدينة.(6) هناك دخلت العلوم الإسلامية مرحلة جديدة. بنی الرسول المسجد النبوي في المدينة الذي صار مرکزا فاعلا في حياة الجماعة المسلمة أجريت فیه عبادة الله مضافا علی الوعظ والتدريس. کان مسجد النبي حینئذ مدرسة والکتاب الذي کان محور الدراسة فيها هو القرآان والمعلم الأول هو رسول الله وتلامذه هم الصحابة.

مدرسة المدينة في زمن الإمام علي

بعد وفاة النبي کانت التراث الإسلامية قد فاضت من الحجاز إلی باقي الأمصار وکان المسجد النبوي هو المرکز العلمي الأهم الذي عقدت فیه الحلقات الدراسية. بقي الإمام علي بعد وفاة الرسول نحو ثلاثين سنة ونظرا إلی قرابتهما وأنّ الإمام علي کان قد تعلّم من الرسول مسائل الإسلام وقد کتب القرآن کلّما نزلت آية علی رسول الله وقد فهم تأويل القرآن وتفسیره، صار مرجعا للأسئلة حول علوم الدين وتفسیر القرآن بعده.(11) هذا المرجعية العلمية کان رغما من إقصائه عن المسرح السياسي في حياة الخلفاء الثلاث.

وردت في الأخبار أنه علّم في مجلس واحد في المسجد النبوي، أربعمائة باب مما یصلح للمسلم في دینه ودنیاه.(21) وإليه ینتهی تأسیس جملة من العلوم الإسلامية ففرّع علم تفسير القرآن من الإمام علي عبر تلميذه ابن عباس وبدأ علم النحو والعربية من عنده وأملاه علی أبي الأسود الدؤلي.(22)

مدرسة المدينة في النمائة

بعد هجرة الإمام علي إلی الکوفة عام 35 هـ. ثم استشهاده في مسجد الکوفة، واصل الحسنان رعاية مدرسة المدينة والتف حولهما نخبة من تلامذة أميرالمؤمنین فذاع نبأ هذه الحلقات فکان الحسن یجلس في مسجد رسول الله ویجتمع الناس حوله ونالت حلقة الإمام الحسن اهتمام القادمين إلی المدينة وتميزت علی ماسواها من الحلقات في المسجد.(27) أما حلقة الإمام الحسين في المسجد النبوي فقد اشتهرت حتی اضطر معاوية للاعتراف بفضل ما يعلّم الإمام الحسين. (33)

بعد الإمام الحسين انبری ولده الإمام السجاد لرعاية مدرسة المدينة ويدلّ علی فضله العلمي بعض الأخبار صدرت من علماء معروفين من معاصريه یعترفون بدرجاته العالية.(37 و 39) کان أهل العلم یقصدونه حيث مضی حتی في سفره فيروی أن ألف نفر من القراء کانوا یخرجون معه إلی مکة لأنّهم احتاجوا إلیه.(44) کان له خمسة تلاميذ الذين کانوا أبرز رجال العلم في زمانهم وهم سعيد بن جبير، سعيد بن المسيب، محمد بن جبير بن مطعم، یحی بن أم الطويل، وأبو خالد الکابلي.(46) بقيت من مدرسة المدينة في ذلك الزمان نصين هامين أحدهما مجموعة من الأدعية من الإمام السجاد اشتهرت باسم الصحيفة السجادية والآخر هو وثيقة حقوقية نصّت علی طائفة من الحقوق الأساسية عرفت باسم رسالة الحقوق.

مدرسة المدينة في فترة الإزدهار

بعد استشهاد الإمام علي بن الحسين نهض بمهمة إدارة مدرسته والتعليم فيها ولدده الإمام محمد الباقر واشتهر بالباقر بمعنی من بقر العلم وشقّه فعرف أصله وخفيّه(51)، واعترف له المورخون بالتفوق العلمي وأهلية الإمامة بين المسلمين. (52 . 53) کان یفد علیه طلاب العلم من شتی البلاد وازدحم مجلسه بالقادمين من البلاد البعيدة. خرج من مدرسة المدينة في زمن الإمام الباقر أکثر من أبعمائة وخمسين عالما الذين حاولوا في نشر العلوم الإسلامية.(65)

بعد الإمام الباقر خلفه في مدرسته ولده الإمام جعفر بن محمد الصادق واستفاد من حضوره في المدينة طلاب العلم وکانوا یصاحبونه إلی المسجد الحرام وأداء الحج ویتعلّمون منه؛ مع المراجعة إلی ما روي عن العلماء في عصر الإمام الصادق، یعترف الأکثر منهم أنه الأفضل فيهم من حيث المقام والمرجعية العلمية.(69) قد اشتهر مجلسه في المدينة وکان العامة والخاصة یأتونه بأسئلة دينية.(71) تزايد وفود أصحابه إلی المدينة وتسبّب الحرکة العلمية فيها ویسمّی هذه الفترة، بفترة الإزدهار.(77) يروی أنّ الإمام الصادق کان یتکفل شيئا من نفقة تلامذته وقام بضيافتهم في منزله عندما وردوا المدينة.