صلاة الجماعة حول الكعبة

تعتبر صلاة الجماعة حول الکعبة من أفضل العبادات في الإسلام؛ لم يکن العرب الجاهلي یصلّي في المسجد الحرام وکان الطواف کلّما فعلوا من أفعال العبادة ولکن عندما فتح رسول الله مکة وأسلم الکثير من أهاليها، ابتدء الصلاة بالجماعة حول بیت الله. اختلف المورّخون بين أوّل من أدار صفوف الصلاة حول الکعبة ولکن یمکن أن یقال الإستدارة بدأت من أول فترات الإسلام. يجوز إقامة صلاة الجماعة المستديرة حول بيت الله علی رأي أکثر الفقهاء.

فضل صلاة الجماعة في المسجد الحرام

الصلوات الخمس الیومیة من الواجبات التي أکّد الشارع المقدس أداءها بشکل جماعي، والأمّة المسلمة تحرص علی تأدیتها جماعة لفضیلتها العظیمة. وردت في الأحاديث عبارات توضّح ما للصلاة الجماعة من الثواب ونقل أنّه لو صارت بحار السموات والأرض مدادا والأشجار أقلاما والثقلان مع الملائکة کتّابا لم یقدروا أن یکتبوا ثواب رکعة واحدة منها.[١] ولمّا کان المسجد الحرام من أفضل البقاع والمساجد في العالم کلّه، فصلاة الجماعة فیه تکون أکثر ثوابا وقد روي في الأخبار أنّ النبي أعلن الصلاة في المسجد الحرام، خير من ألف صلاة فيما سواه.[٢]

أول صلاة الجماعة حول الکعبة

لم يکن يقام قبل الإسلام، صلاة في المسجد الحرام وإنما کل ما یکون هو مدار الطواف حول الکعبة وذلك لأنه لم یکن في التشريع الجاهلي صلاة يؤدونها حول بيت الله وکان المعتاد عند العرب الطواف حولها فقط؛ ولم یصلّ أحد منهم في المسجد الحرام إلّا علی سبيل النادر. بعدما فتح رسول الله مکة في السنة الثامنة بعد الهجرة، صار المسلمون يقيمون صلاتهم جهارا جماعة في المسجد الحرام.[٣]

تأريخ الإستدارة حول الکعبة

لا یوجد يقين تأريخي حول بداية الإستدارة للصلاة حول بيت الله والإستمرار بها وکلّما عند المورخين قرائن وأخبار متضادة.

أوّل من أدار صفوف صلاة الجماعة

اختلف العلماء والمورخين في أوّل من أقام صلاة الجماعة في المسجد الحرام إستدارة ولکن یمکن أن یقال أن الإستدارة للصلاة بالجماعة حول الکعبة وقعت في الفترات الأولی من نشأة الإسلام:

  • رسول الله: طبقا لرأي بعض المورخين، أول من أدار الصفوف هو النبي[٤] عندما فتح مکة ودخلها مع جیشه الذين کانوا أکثر من عشرة آلاف شخصا وأسلموا أهل مکة الذين کان عددهم ألفين نفرا؛ صار عددهم حینئذ أکثر من 12 ألف شخص. کانت ساحة الکعبة، وهو المطاف، 26/5 ذراعا في ذلك الزمان ولا يمکن إقامة صلاة الجماعة في أحد الجهات الأربع فیها بسبب الضيق.[٥] فلا بدّ من أن یکون الصفوف مستديرة. هناك بعض الروايات من الرسول تمضي هذا الرأي.[٦]
  • خالد القسري: یدعي أبو الوليد الأرزقي أن أول من أدار الصفوف حول الکعبة هو خالد بن عبد الله القسري.[٧]
  • حجّاج بن يوسف: یتعتقد السنجاري أنّ حجّاج أول من أطاف الناس حول الکعبة للصلاة.
  • عبد الله بن زبير: نقل الزرکشي أنّ أول من صلّی الناس بالإستدارة هو عبد الله بن زبير.[٨]

صلوة الجماعة للمذاهب الأربعة

بعدما ولدت المذاهب الإربعة لإهل السنة، وقعت الخلافات بینهم ونتجت عن إقامة صلوة أربعة بأئمة أربعة في المسجد الحرام؛ فأقيمت لکل وقت من الأوقات الخمسة للصلوة الواجبة، أربعة جماعات في الجهات الأربعة للکعبة وفي بعض الأحيان إمام خامس لفرقة الزيدية کان یصلّي بالزيديين المقيمين بمکة. کان الإمامية يقتدي بأئمة أهل السنة بلا فرق في أيهم لأنّ أئمة الشيعة المعصومين وصّوهم بهذا کرارا.[٩]

وقعت صلاة الجمعة في تلك الفترة وکان الإمام لصلاة الجمعة شخصا واحدا ولم تنعقد صلوة الجمعة متعددة قطّ.[١٠]

بعد مدة، استعاب فقهاء أهل السنة أنّ الصلوة الأربعة في المسجد الحرام في زمان واحد ینافي الوحدة الإسلامية وأفتوا بعدم جواز تعدد الجماعات في المسجد الحرام.

حکم الإستدارة الفقهي

يصلي اليوم کلّ من الإمامية وأهل السنة صلاتهم مستديرا حول بیت الله الحرام ولکن هناك بعض اختلاف بینهم:

  • أهل السنة: لا یوجد أحد بين أهل السنة یعتقد بعدم جواز الإستدارة في صلاة الجماعة. ولکن أشرط الشافعي عدم وقوع المأموم أقرب إلی الکعبة من الإمام وإن وقع هکذا، علی المأموم إعادة الصلاة.[١١]
  • الإمامية: اختلف فقهاء الإمامية في حکم استدارة المأمومين في المسجد الحرام فمنهم من قال بالجواز مطلقا ومنهم من قال به موارد التقية ومنهم من قال بعدم الجواز وتوقف بعض آخر في حکمها وأفتی بالإحتياط عن الصلاة المستديرة.[١٢]

مواقع ذات صلة

الهوامش

  1. کتاب الصلوة، الشيخ الأنصاري، 317 .
  2. صحيح البخاري، 2 : 136 .
  3. تأريخ عمارة المسجد الحرام، حسين عبدالله: 7 - 9 .
  4. المبسوط، السرخسي، 2 : 78 .
  5. تأريخ عمارة المسجد الحرام، حسين عبدالله: 5 - 6 .
  6. أخبار مکة، الأرزقي، 2 : 66 .
  7. أخبار مکة، الأرزقي، 2 : 65 .
  8. أخبار مکة، الأرزقي، 2 : 66 .
  9. رحلة ابن جبير: 73 .
  10. التاريخ القويم، الکردي، 2 : 268 .
  11. کتاب الأمّ، الشافعي، 1 : 170 .
  12. کتاب الصلوة، الشيخ الأنصاري : 354 .

المنابع