في القرآن

الإستطاعة شرط لوجوب الحج علی المکلّف؛ إن لم یکن یستطیع مالا أو بدنا أو أمنا تأدية الحجّ، لم یکن حجة الإسلام واجبة له. هذا الحکم الفقهي مأخوذ من الآية السبعة والتسعين في سورة آل عمران:

«فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ.»

الاستطاعة الماليّة

الإستطاعة هي أن یکون للإنسان مال یزید علی مؤونة عیاله بحیث یکفیه للذهاب إلی مکة لأداء الحجّ من الزاد والراحلة ، وأن تکون له ولعیاله أموال باقية کافیة لمعیشتهم عند رجوعه من الحج. وقد عبّر الفقهاء عن النفقة في المسائل بالزاد، وعن وسائط النقل بالراحلة.[١]

معية الزاد والراحلة

فيوجب الحجّ بوجود الزاد والراحلة معا، فإن وجد أحدهما لا يجب علي المکلّف فرض الحجّ، مثلا عندما کان له الزاد ولکن لم یستطع إعداد الراحلة لا یجب علیه الإتیان بحجة الإسلام وإن كان قادرا علی المشي.[٢] و هذا رأي کلّ المذاهب الإسلامية إلّا مالك الذي یعتقد بتحقّق الإستطاعة إذا کان للمکلّف الزاد والقدرة علی المشي إلی مکة. [٣]

نفقة الإياب

علی رأي فقهاء الإماميّة وجود نفقة الإياب لازم في تحقق الإستطاعة ووجوب الحجّ عندما أراد المكلّف العودة إلى وطنه، أمّا إذا لم يرد العود وأراد السكنى في بلد آخر غير وطنه أو في نفس مکة، فلابُدّ من وجود النفقة إلى ذلك البلد، ولا يعتبر وجود مقدار العود إلى وطنه.

ولکن إذا كان البلد الذي يريد السكنى فيه أبعد من وطنه ، لم يعتبر وجود النفقة إلى ذلك المكان، بل يكفي في الوجوب وجود مقدار العود إلى وطنه.

الرجوع إلى الكفاية

يلزم لتحقق الإستطاعة أن يكون المكلّف على حالة لا يخشى على نفسه وعائلته من الفقر بعدما یعود من الحجّ فلا يجب على من يملك مقداراً من المال يفي بمصارف الحجّ وكان ذلك وسيلة إعاشته وإعاشة عائلته ولا يتمكن من المعیشة عن طريق آخر يناسب شأنه.كلّ ذي حِرفة كالحدّاد والبنّاء، والنجّار وغيرهم ممّن يفي كسبهم بنفقتهم ونفقة عوائلهم، يجب عليهم الحجّ إذا حصل لهم المال الکافي للمصاریف الحج ولنفقة أسرته مدة سفره بإرثٍ أو غيره. إذا اقترض مقداراً من المال يفي بمصاریف الحجّ، وكان قادراً على قضائه بعد ذلك، وجب عليه الحجّ. وإذا كان عنده المال الکافي لكنه معتقد بعدم کفایته، أو كان غافلاً عنه، أو كان غافلاً عن وجوب الحجّ عليه، لم یکن الحج واجبا علیه.

الاستطاعة البذلية

الاستطاعة البذلية قسم من الإستطاعة المالية فإنّها تتحقق عندما یعطي شخص شخصا المال الوافي لمصاریف الحج وعودته إلی الکفاية ولا يفرّق في ذلك بين أن يكون الباذل واحداً أو متعدداً؛ إن وقع کذلك وجب علی الشخص الإتیان بالحج. لا فرق بین إعطاء وسائط المعيشة والسفر وبین إعطاء ثمنه. إذا قبل المکلف خدمة وعملا في مسیر الحج واستطاع الإتيان بالحج یجب علیه أیضا.

لا يجب الرجوع إلى الكفاية في الاستطاعة البذلية فإن بذل شخص له أموال لأداء الحجّ یجب علیه الإتیان به ولکن لا یعتبر في تحقق الإستطاعة أن یکون له أموال کافية له ولعیاله عند الرجوع.

فإذا أُعطي مالاً على أن يحجّ، وجب عليه القبول، وأمّا لو خيّره المعطي بين الحجّ وغیره، أو أنه أعطاه مالاً من دون ذكر الحجّ، لم يجب عليه القبول. ولا يجب علی المکلف إلّا الحجّ الذي هو وظيفته، فلو كانت وظيفته حجّ التمتع، فبذل المعطي لـه حج القران، أو الإفراد، لم يجب عليه القبول، وبالعكس. الحجّ البذلي يجزئ عن حجة الإسلام، ولا يجب عليه الحجّ ثانياً إذا استطاع بعد ذلك.

الاستطاعة البدنيّة

وهي كون المكلّف مستطيعاً لأداء مناسك الحجّ كلّها أو بعضها، من دون حرج علي جسمه، فلو لم يقدر وعجز عن أدائها لمرض أو کبر السن أو غير ذلك ، لم يجب عليه الحجّ مباشرةً، بل تجب عليه الاستنابة. ولکن إذا کان له الإستطاعة البدنية فعلیه الحجّ رأسا. هذا رأي الإمامية والشافعية.[٤] ولکن برأي مالك ، وأبو حنيفة: لا تلزمه النيابة إذا لم یستطع عن أداء الحج مباشرة.[٥]

الهوامش

  1. انظر الانصاف ٣ /٣٦٢
  2. سنن الدارقطني ٢ /٢١٥ حديث ١ و١٦، وسنن ابن ماجة ٢ /٩٦٧ حديث ٢٨٩٦ - ٢٨٩٧، وسنن الترمذي ٣ /١٧٧حديث ٨١٣، واحكام القران للجصاص ٢ /٢٥، والدر المنثور ٢ /٥٦ .
  3. بداية المجتهد ١ /٣١٩ ، ومقدمات ابن رشد ١ /٢٨٨ ، وبلغة السالك ١ /٢٦٣، والمغني لابن قدامة ٣ / ١٦٨ .
  4. بداية المجتهد ٢ /١٨٦ - ١٨٧ .
  5. بداية المجتهد ٢ /١٨٦ - ١٨٧ .