صيد المحرم

أجمع المسلمون كافة على تحريم صيد الحرم، فلا يجوز للمُحرم سواء كان في الحلّ أم الحرم صيـد الحيوان البرّي أو قتله، سواء كان مُحلل الأكل أم لم يكن، كما لا يجوز لـه قتل الحيوان البري وإن تأهّل بعد صيده، ولا يجوز صيد الحرم مطلقاً وإن كان الصائد مُحلاً[١] كما يحرم على المُحرم صيد الحيوان البري، تحرم عليه الإعانة على صيده ولو بالإشارة، ولا فرق في حُرمة الإعانة بين أن يكون الصائد مُحرماً أو مُحلاً ؛ لقولـه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾[٢]، وقوله تعالى: ﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ﴾[٣]. وبه قال أبو حنيفة ، ومالك[٤]. قال ابن رشد: المحظور الخامس فهو الاصطياد، وذلك أيضاً مُجمع عليه[٥]. وقال ابن قدامة: أجمع المسلمون على تحريم صيد الحرم على الحلال والمحرم[٦] ولا يجوز للمُحرم إمساك الصيد البري، والاحتفاظ به، وإن كان اصطياده لـه قبل إحرامه، ولا يجوز لـه أكل لحم الصيد وإن كان الصائد محلاً.

حرمة أكل صيد المُحرِم على المُحلّ

ويحرم الصيد الذي ذبحه المُحرِم على المُحِلّ أيضاً، وكذلك ما ذبحه المحل في الحرم. والجراد ملحق بالحيوان البري، فيحرم صيده وإمساكه وأكله. قال النووي: أمّا الجراد فبرّي على المشهور[٧] الحكم المذكور إنّما يختصّ بالحيوان البرّي، وأمّا صيد البحر كالسمك فلا بأس به. والمراد بصيد البحر ما يعيش فيه فقط، وأمّا ما يعيش في البرّ والبحر كليهما فملحق بالبرّي. قال النووي: أما صيد البحر فحلال للحلال والمحرم بالنص والإجماع. ثمّ قال: اما ما يعيش في البر والبحر فحرام كالبري[٨] ولا بأس بصيد ما يُشكّ في كونه برّياً على الأظهر، وكذلك لا بأس بذبح الحيوانات الأهليّة كالدجاج ، والغنم ، والبقر، والإبل ، والدجاج الحبشي وإن توحَّشت، كما لا بأس بذبح ما يُشكّ في كونه أهليّاً.

ما يجوز للمُحرِم قتله

يجوز للمُحرِم قتل السباع إذا خيف منها على النفس، وكذلك إذا آذت حمام الحَرَم، ولا كفّارة في قتل السباع حتى الأسد على الأظهر، بلا فرق بين ما جاز قتلها وما لم يجز. وبه قال مالك والشافعي وأحمد ابن حنبلز[٩]وقال أبو حنيفة: تقتل الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والذئب والحداة لا غير.[١٠]

ويجوز للمُحرم أن يقتل الأفعى، والأسود الغدّر، وكلّ حيّة سوء، والعقرب، والفأرة، ولا كفّارة في قتل شيء من ذلك.

ولا بأس للمُحرم أن يرمي الغُراب والحدأة، ولا كفّارة لو أصابهما الرمي وقتلهما. قال النووي: فإن كان ممّا يضر ولا ينفع كالذئب والأسد والحيّة والعقرب والفأرة والحداة والغراب والكلب العقور والبق والبرغوث والقمل والقرقش والزنبور.[١١]

حكم صيدالفراخ

أمّا فراخ هذه الأقسام الثلاثة من الحيوانات البريّة والبحريّة والأهليّة وبيضها فهي تابعة للأُصول في حُكمها. قال النووي: قال الشافعي وأصحابه: كلّ صيد حرم على المحرم حرم عليه بيضه، وإذا كسره لزمه قيمته. وبه قال العلماء كافة إلّا المزني وداوود، فقالا: هو حلال ولا جزاء فيه.[١٢]

كفارةالصيد

أمّا كفّارة الصيد فنبيّنها بالمسائل التالية ...

  • مسألة ١: في قتل النعامة بُدنَة، وفي قتل بقرة الوحش بقرة، وفي قتل حمار الوحش بُدنة أو بقرة، وفي قتل الظبي والأرنب شاة، وكذلك في قتل الثعلب على الأحوط.
  • مسألة ٢: من أصاب شيئاً من الصيد، فإن كان فداؤه بُدنة ولم يجدها فعليه إطعام ستين مسكيناً، لكلّ مسكين مُدّ، فإن لم يقدر، صام ثمانية عشر يوماً. وإن كان فداؤه بقرة ولم يجدها، فليطعم ثلاثين مسكيناً، فإن لم يقدر صام تسعة أيام. وان كان فداؤه شاة ولم يجدها فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيام.
  • مسألة ٣: إذا قتل المُحرم حمامة ونحوها في خارج الحرم فعليه شاة، وفي فرخها حمل أو جدي، وفي كسر بيضها درهم على الأحوط. وإذا قتلها المُحل في الحرم فعليه درهم، وفي فرخها نصف درهم، وفي بيضها ربعه. وإذا قتلها المُحرم في الحرم فعليه الجمع بين الكفّارتين، وكذلك في قتل الفرخ و كسر البيض. وحُكم البيض إذا تحرّك فيه الفرخ حُكم الفرخ.
  • مسألة ٤: في قتل القطاة والحجل والدراج ونظيرها حمل قد فطم من اللبن وأكل من الشجر. وفي العصفور والقُبَّرة والصعوة مُدّ من الطعام على المشهور، والأحوط فيها حمل فطيم. وفي قتل جرادة واحدة تمرة، وفي أكثر من واحدة كفّ من الطعام، وفي الكثير شاة.
  • مسألة ٥: في قتل اليربوع و القُنفذ و الضّب وما أشبهها جدي. وفي قتل العظاية كفّ من الطعام.
  • مسألة ٦: في قتل الزنبور متعمداً إطعام شيء من الطعام، وإذا كان القتل دفعاً لإيذائه فلا شيء عليه.
  • مسألة ٧ : يجب على المُحرم أن ينحرف عن الجادّة إذا كان فيها الجراد، فإن لم يتمكن فلا بأس بقتلها.
  • مسألة ٨: لو اشترك جماعة مُحرمون في قتل صيد، فعلى كلّ واحد منهم كفّارة مستقلّة.
  • مسألة ٩: كفّارة أكل الصيد ككفارة الصيد نفسه، فلو صاده المُحرم وأكله فعليه كفّارتان.
  • مسألة ١٠: من كان معه صيد ودخل الحرم يجب عليه إرساله، فإن لم يرسله حتى مات لزمه الفداء. بل الحُكم كذلك بعد إحرامه وإن لم يدخل الحرم على الأحوط.
  • مسألة ١١: لا فرق في وجوب الكفّارة في قتل الصيد وأكله، بين العمد والسهو والجهل.
  • مسألة ١٢: تتكرر الكفّارة بتكرر الصيد جهلاً أو نسياناً أو خطأً، وكذلك في العمد إذا كان الصيد من المُحلّ في الحَرم أو من المُحرم مع تعدد الإحرام، أمّا إذا تكرر الصيد عمداً من المُحرم في إحرام واحد لم تتعدد الكفّارة. قال النووي : إذا قتل المحرم صيداً ولزمه جزاؤه، ثمّ قتل صيداً آخر لزمه للثاني جزاء آخر هذا مذهبنا ، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وإسحاق، وابن المنذر، وجمهور العلماء . قال العبدري : هو قول الفقهاء كافة إلّا من سنذكر[١٣]

حدود الحرم المكّي والمدني

للحرم المكّي حدود مضروبة المنار قديمة، ولها نصب معلومة مأخوذة يداً عن يد، يحدّه من الشمال التنعيم، ومن الشمال الغربي الحديبية «الشمسي»، ومن الشمال الشرقي ثنية جبل المقطع، ومن الشرق طرف عرفة من بطن نمرة، ومن الجنوب الشرقي الجعرانة، ومن الجنوب الغربي إضاءة لبن.كما أن للمدينة المنورة حرمٌ أيضاً: وحدوده جبلا عائر و عير وحرتا وأقم وليلى، وهو وإن كان لا يجب الإحرام لـه، إلّا أنّه لا يجوز قطع شجره ولاسيما الرطب منه، إلّا ما تقدّم استثناؤه في الحرم المكّي، كما يحرم صيده مطلقاً على الأحوط.

ذبح الكفّارة ومصرفها

إذا وجبت على المُحرم كفّارة لأجل الصيد في العُمرة، فمحلّ ذبحها مكّة المُكّرمة. وإذا كان الصيد في إحرام الحجّ، فمحل ذبح الكفّارة مِنى. وإذا وجبت الكفّارة على المُحرم بسبب غير الصيد فالأظهر جواز تأخيرها إلى عودته من الحجّ، فيذبحها أين شاء، والأفضل إنجاز ذلك في حجّه. ومصرفها الفقراء، ولا بأس بالأكل منها قليلاً مع الضمان.

الهوامش

  1. . تذكرة الفقهاء ٧ /٢٦٤
  2. سورة المائدة :٩٥
  3. . سورة المائدة ٩٦.
  4. . المبسوط للسرخسي ٤ /٨٠ - ٨١، وبدائع الصنائع ٢ /٢٠٢، واحكام القران للجصاص ٢ /٤٧٦، والجامع لاحكام القران ٦ /٣١٣، والمغني ٣ /٥٦٢، والمحلى ٧ /٢٣٧، والمجموع ٧ /٤٣٩.
  5. . بداية المجتهد ٢ /٢١٢، والبحر الزخار ٣ /٣١٥
  6. . المغني ٣ /٣٥٨ ، والبحر الزخار ٣ /٣١٧.
  7. المجموع ٧ /٢٩٦
  8. المصدر السابق
  9. . المدونة الكبرى ١ /٤٤٢، والمغني ٣ /٣٤٤ - ٣٤٥، والمجموع ٧ /٣١٦، والمبسوط للسرخسي ٤ /٩٠
  10. . المبسوط للسرخسي ٤ /٩٠، والهداية ١/١٧٢، والمغني ٣ /٣٤٥ .
  11. . المجموع ٧ /٣١٤
  12. المجموع ٧ /٣١٨ .
  13. المجموع ٧ /٣٢٣

مآخذ

هذه المقالة ماخوذة من كتاب المتخصر في أعمال الحجّ و العمرة، محمد مهدي نجف، قم، مشعر .