تعريف الحجّ

الحجّ لغة

الحجّ لغتان: بفتح الحاء، وكسرها. وقيل في تعريف الحجّ عند أهل اللغة عدّة معان: القصد، والكفّ، والقدوم، والغلبة بالحجّة، وكثرة الاختلاف والتردد، وقصد مكة للنسك قال الخليل: الحجّ كثرة القصد إلى من تُعظّم [١] وسمّي الحجّ حجّاً ؛ لأنّ الحاج يأتي قبل الوقوف بعرفة إلى البيت الحرام، ثمّ يعود إليه لطواف الحجّ، ثمّ ينصرف إلى منى، ثمّ يعود إليه لطواف الوداع.

الحجّ شرعاًً

اختلفوا في تعريفه شرعاً، ولعل أسلم تعريف لـه هو: إسم لمجموع المناسك المؤداة في المشاعر المخصوصة، من قصد البيت الحرام، والوقوف بعرفة ، والمشعر، والمبيت في منى أيام التشريق، وأداء سائر المناسك فيها.

الحجّ في الكتاب

قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز:

سورة آل عمران آیة ۹۷:

سورة الحج آیة ۲۷:

سورة الحج آیة ۲۶:

سورة البقرة آیة ۱۹۶:

الحج في السُّنة

أجمع فقهاء المسلمين كافة على أنّ الحجّ ركُن من أركان الدين الحنيف، والاعتراف بوجوبه من الضروريات، وإنكاره كُفر، ومن تركه متعمداً مع الاعتراف بثبوته فقد ارتكب معصية كبيرة. وذلك لما روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: « بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصيام شهر رمضان»[٢] وروي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أيضاً أنه قال: « بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» [٣]

حجّة الإسلام

الذي أجمع عليه الفقهاء: أنّ الحجّ فرض أوجبه الله سبحانه وتعالى على كلّ بالغٍ ، عاقلٍ ، حُرّ ، واجدٍ للاستطاعة ، من ذكرٍ أو أُنثى، بكراً كانت الأُنثى أو ذات زوج ، في العُمر مرةً واحدةً، وتسمّى هذه الحجّة عند هم بـ «حجّة الإسلام».

اقسام الحجّ

وينقسم الحجّ باعتبار الفرض إلى: واجب، ومندوب، وقد تقدّم أنّ الواجب ما وجب بأصل الشرع، وهو حجّة الإسلام في العمر مرة واحدة. أو وجوبه بسببٍ كالنذر وشبهه، أو بالإفساد، أو الاستئجار. ويتكرر بتكرار السبب، أمّا المندوب فهو ما عداه. كما أنّه ينقسم باعتبار المنزل إلى : حجّ التمتع ، وحجّ الإفراد . وحجّ القران.

فحجّ التمتع

هو فرض من يبعد منزله عن المسجد الحرام بما يقرب عن الاثنين وتسعين كيلو متراً.قال ابن رشد المالكي: اتفق العلماء على أنّ من لم يكن من حاضري المسجد الحرام فهو متمتع [٤]

وصورة حجّ التمتع إجمالاً عند الإماميّة: أن يُحرم الحاج لعمرة التمتع من حجّ التمتع في أشهر الحجّ من الميقات، ثمّ يأتي مكة المكرمة فيطوف بالبيت طواف العمرة سبعاً، ثمّ يصلّي ركعتي الطواف، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة سبعاً، ثمّ يقصّر. وبذلك تتم عمرته، ويحلّ لـه كلّ شيء حَرُمَ عليه بالإحرام.


ثمّ إذا أراد إتيان الحجّ بعد إتمام عمرته، أحرم من مكة، ثمّ يقف في عرفات من زوال يوم عرفة إلى الغروب على تفصيل يأتي، ثمّ يفيض إلى المشعر الحرام فيبيت فيه، ثمّ يذهب إلى منى فيرمى أولاً جمرة العقبة، ثمّ يذبح أو ينحر هديه، ثمّ يحلق أو يقصّر، ثمّ يذهب إلى مكة فيطوف طواف الحجّ، ثمّ يصلّي ركعتي الطواف، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة، ثمّ يطوف طواف النساء، ثمّ يصلّي ركعتي الطواف، وبذلك يتحلل من الإحرام ويحلّ لـه كلّ ما حَرُمَ عليه ويتمّ حجّه، ثم يرجع إلى منى ويبيت بها ليالي التشريق، ويرمي الجمار بها في أيام التشريق على التفصيل الآتي إن شاء الله تعالى.

حجّ الإفراد

أمّا حجّ الإفراد ، وحجّ القران، فهما فرض من كان منزله دون ذلك عن المسجد الحرام ، يتخيّر بينهما. هذا كلّه في حجة الإسلام، أمّا في غير ذلك يتخيّر بين الكلّ.

أمّا صورة حجّ الإفراد عندهم ، هي أن يُحرِم للحجّ من الميقات، ثمّ يؤدي الحجّ كما تقدّم في حجّ التمتع ، إلّا أنّ الفارق فيه أنّه لم يكن فيه هدي أصلاً، وإذا كان مستطيعاً للعمرة ولم يأت بها وجب عليه الاتيان بعمرة مفردة يُحرِم بها من أدنى الحلّ. أمّا إذا كانت حجّة الإفراد ندباً أو نذراً لوحده لم يكن فيها عُمرة.

حجّ القران

وصورة حجّ القران عندهم كصورة حجّ الإفراد في جميع ذلك، ولا يفترق عنه إلّا في أنّ القارن يسوق هديه عند إحرامه. وروي بسند معتبر عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال في القارن : ( لا يكون قران إلّا بسياق الهدي، وعليه طواف بالبيت، وركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام ، وسعي بين الصفا والمروة، وطواف بعد الحجّ، وهو طواف النساء. وأما المتمتع بالعمرة إلى الحجّ فعليه ثلاثة أطواف بالبيت، وسعيان بين الصفا والمروة)[٥]

أفضلية حجّ التمتع

اختار فقهاء الإماميّة أفضلية حجّ التمتع على سائر الأنواع؛ واستدلوا بما روي في الحديث المعتبر عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام[٦]

واختار أحمد بن حنبل التمتع ، ثم الإفراد ، ثم القران. وهو أحد قولي الشافعي [٧]

وذهب مالك والشافعي في قوله الثاني ، وأبو ثور إلى اختيار الإفراد.[٨].

وقال أبو حنيفة ، وسفيان الثوري ، وإسحاق بن راهويه ، والمزني ، وابن المنذر، وأبو إسحاق المروزي : القِران أفضل [٩]

وقال أبو يوسف : التمتع والقِران أفضل من الإفراد [١٠]

أمّا ابن قدامة فقال : وجملة ذلك أن الإحرام يقع بالنسك من وجوه ثلاثة : تمتع، وإفراد، وقران . فالتمتع: أن يهلّ بعمرة مفردة من الميقات في أشهر الحجّ ، فإذا فرغ منها أحرم بالحج من عامه. والإفراد : أن يهلّ بالحج مفرداً . والقران: أن يجمع بينهما في الإحرام، أو يحرم بالعمرة ، ثمّ يدخل عليها الحجّ قبل الطواف ، فأي ذلك أحرم به جاز[١١]

فورية أداء الحجّ

لا خلاف بين فقهاء المسلمين في وجوب الحجّ على من توفرت فيه الشروط المطلوبة في الاستطاعة، إلّا أنهم اختلفوا في فورية أدائه، أو التراخي فيه على مذاهب .

فذهب فقهاء الإماميّة ، ومالك، وأحمد بن حنبل، والمزني ، وأبويوسف ، وداود إلى وجوب الفور في أداء الحجّ، والمبادرة إليه في عام استطاعته ؛ لاحتمال الفوت عند التراخي عنه، فلا يجوز تأخيره إلّا لأمر مانع شرعاً، فإن تركه فيه ففي العام الثاني، وهكذا [١٢]

وقال القفّال الشافعي: والمستحب لمن وجب عليه الحجّ، أن يبادر إلى فعله، فإن أخّ‍ره جاز، وبه قال محمد بن الحسن، وقال مالك، وأحمد، وأبو يوسف : يجب على الفور، وكان أبو الحسن الكرخي يقول : مذهب أبي حنيفة أنه على الفور[١٣]

وقال الشافعي ، والاوزاعي، والثوري، ومحمد: إنه بالخيار، إن شاء قدّم ، وإن شاء أخّر، والتقديم أفضل [١٤]

شروط وجوب الحجّ

البلوغ

اختلف الفقهاء في تحديد سنّ البلوغ للذكر والأنثى على مذاهب، واستدل كلّ منهم على مذهبه بآثار مروية، ولست في صدد بيان ذلك هنا، فالجميع متفق على وجوب الحجّ عند حصول البلوغ. أمّا الصبيّ فلا يجب عليه الحجّ وإن كان مُراهقاً، وكذا المجنون، لأنّهما ليسا بمكلّفين.

حج الصبي

أمّا الصبي فلا يجب عليه الحجّ، بل يُستحب للصبي الممّيز أن يحجّ بإذن وليّه، ويستحب لوليه الشرعي الإذن لـه فيه إذا لم يكن فيه مفسدة لـه.

العقل

أجمع الفقهاء المسلمين على أن الحجّ ساقط عن المجنون حال جنونه بلا خلاف بينهم

الحرّية

الحرّية شرط في وجوب حجّة الإسلام، فلا يجب على العبد والأمة الحجّ أصلاً ما داما في قيد العُبودية

الاستطاعة

الهوامش

  1. كتاب العين ٣ /٩، والصحاح ١ /٣٠٣ ، والقاموس المحيط ١ /١٨٢ .
  2. الكافي ٢ /٢٦ حديث ١، ورواه البخاري في صحيحه ١ /٩ باختلاف يسير في اللفظ .
  3. صحيح مسلم ١ /٤٥ حديث ٢١ .
  4. بداية المجتهد ٢ / ٢١٨ ، والمجموع ٧ /١٨٤، وفتح العزيز ٧ /١٦٨ .
  5. التهذيب ٥ / ٤٢ حديث ١٢٢ .
  6. التهذيب ٥ / ٤١ - ٤٢ حديث ١٢٢ .
  7. المغني ٣ /٢٣٢ ، والانصاف ٣ /٣٩٢ .
  8. احكام القران للجصاص ١ /٢٨٥، و المغني ٣ /٢٣٢ ، والانصاف ٣ /٣٩٢، وحلية العلماء ٣ /٢٥٩ ، والمجموع ٧ /١٥٢ .
  9. احكام القران للجصاص ١ /٢٨٥، و المغني ٣ /٢٣٢ ، والانصاف ٣ /٣٩٢، وحلية العلماء ٣ /٢٥٩ ، والمجموع ٧ /١٥٢
  10. نفس المصادر .
  11. المغني ٣ /٢٣٢ .
  12. انظر تذكرة الفقهاء ٧ /١٧ - ١٨ ، ومقدمات ابن رشد ١ /٢٨٨، وبداية المجتهد ٢ /١٩١، والكافي في الفقه للامام احمد بن حنبل ١ /٤٦٧، والمغني ٣ /١٩٦، والانصاف ٣ /٣٦٥، والحاوي الكبير ٤ /٢٤، والمجموع ٧ /١٠٢ - ١٠٣، وبدائع الصنائع ٢ /١١٩، والهداية للمرغيناني ١ /١٣٤، والفتاوى الهنجية ١ /٢١٦، وشرح فتح القدير ٢ /١٢٣، وشرح العناية ٢ /١٢٣
  13. حلية العلماء ٣ /٢٤٣، ومقدمات ابن رشد ١ /٢٨٨، والكافي في فقه الامام أحمد ١ /٤٦٧، والمغني ٣ /١٩٦ ، والشرح الكبير ٣ /١٨٢، والحاوي الكبير ٤ /٢٤ ، والمجموع ٧ /١٠٢ - ١٠٣، وفتح العزيز ٧ /٣١ ، وتحفة الفقهاء ١ /٣٨٠ ، والانصاف ٣ /٣٦٥ .
  14. الام ٢ /١١٨، والمجموع ٧ /١٠٣، والهداية ١ /١٣٤، وبداية المجتهد ٢ /١٩١، والمغني ٣ /١٩٦.