حرم الإمام علي (ع) : هو الحرم الذي يعتقد أن الإمام علي (ع) دفن فيه.

ظهور القبر الشريف

  أوصى إمام المتقين عليه السلام أهل بيته بإخفاء قبره بعد وفاته لعلمه بأن الأمر سيصير الى أعدائه من بعده, إذ إنهم لا يتورعون عن نبش القبر بغضاً وعداوة له. وقد أجاب الإمام جعفر الصادق عليه السلام سؤال أحد أصحابه وهو صفوان الجمال عن السبب الذي منع أهل البيت عليهم السلام من إظهار القبر, فقال عليه السلام: ((حذراً من بني مروان والخوارج أن تحتال في أذاه)) [١].ونقل الشيخ جعفر محبوبه عن كتاب "منتخب التواريخ" انَّ الحجاج بن يوسف الثقفي حفر ثلاثة آلاف قبر في النجف طلباً لجثة أمير المؤمنين عليه السلام.[٢]

  وبيّن السيد ابن طاووس سبب الإخفاء قائلاً: (فاقتضى ذلك أن أوصى بدفنه عليه السلام سراً, خوفاً من بني أمية وأعوانهم والخوارج وأمثالهم, فربما إذا نبشوه مع علمهم بمكانه حمل ذلك بني هاشم على المحاربة والمشاقفة التي أغضى عنها عليه السلام في حال حياته, فكيف لا يوصي بترك ما فيه مادة النزاع بعد وفاته؟  وقد كان في طَيِّ قبره فوائد لا تحصى غير معلومة لنا بالتفصيل).[٣]

      ولم يزل مكان القبر الشريف في النجف سراً لم يطلع عليه إلاّ أهل البيت عليهم السلام والخواص من شيعتهم, اقتداءً بوصية أمير المؤمنين عليه السلام من سنة أربعين من الهجرة وحتى سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية في عام 132هـ/749م. وبعد زوال الخوف والحذر أظهر الإمام جعفر الصادق القبر الشريف ودلَّ عليه شيعته وأمرهم بزيارته عندما ورد العراق بطلب من الخليفة الأول لبني العباس أبي العباس السفاح, إذ التقاه في الحيرة, وبنى الإمام عليه السلام على القبر دكّة للدلالة عليه.

قال الشيخ المفيد بهذا الصدد: (فلم يزل قبره عليه السلام مُخفىً حتى دَلَّ عليه الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام في الدولة العباسية) [٤] روى إسحاق بن جرير عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام انه قال: ((إنيّ لما كنت بالحيرة عند أبي العباس, كنت آتي قبر أمير المؤمنين عليه السلام ليلاً, وهو بناحية نجف الحيرة، الى جانب غري النعمان, فأصلي عنده صلاة الليل وأنصرف قبل الفجر)).[٥]

  وقد تعددت زيارات الإمام الصادق عليه السلام لقبر جده سيد الأوصياء صلوات الله عليه في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور, وفي إحدى هذه الزيارات أعطى الإمام عليه السلام صفوان الجمال مبلغاً من المال لإصلاح القبر. قال صفوان: (قلتُ: يا سيدي: أتأذن أن اخبر أصحابنا من أهل الكوفة به؟ قال نعم, وأعطاني دراهم, وأصلحتُ القبر).[٦]

  ومما يؤسف له إنَّ بعض المؤرخين من القدماء والمتأخرين قد وقعوا في الوهم عندما تناولوا الروايات الخاصة بمرقد أمير المؤمنين عليه السلام بدون تحقيق وتمحيص, فابتعدوا عن الحقيقة عندما ذكروا انَّ هارون العباسي هو أول من أظهر القبر في سنة 170هـ/786م أو 175هـ/791م عند تناولهم حكاية حادثة الصيد في منطقة النجف متجاهلين عن قصد أو دون قصد ما قام به الإمام جعفر الصادق عليه السلام في سنة 132هـ عندما كشف عن القبر وبنى دكة عليه, وحثَّ الناس على زيارته كما بينا ذلك فيما سبق. فأنّى لمن نصب العداء لأهل البيت عليهم السلام وظلم شيعتهم وسجن الإمام موسى الكاظم عليه السلام الى أن توفي في محبسه مسموماً أن يعظّم مرقد أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

  ذكر الشيخ المفيد في "الإرشاد" تفصيل هذه الحكاية بقوله:( وروى محمد بن زكريا, قال: حدثنا عبدالله بن محمد عن ابن عائشة, قال: حدّثني عبدالله بن حازم, قال: خرجنا يوماً مع الرشيد من الكوفة نتصيّد, فصرنا إلى ناحية الغريّين والثويّة فرأينا ظباء, فأرسلنا عليها الصقور والكلاب فجاولتها ساعة, ثم لجأت الظباء إلى أكمة فوقفت عليها فسقطت الصقور ناحية ورجعت الكلاب, فتعجب الرشيد من ذلك, ثمَّ إنَّ الظباء هبطت من الأكمة فهبطت الصقور والكلاب فرجعت الظباء إلى الأكمة فتراجعت عنها الصقور والكلاب, ففعلت ذلك ثلاثاً.فقال الرشيد هارون: اركضوا فمن لقيتموه فأتوني به, فأتيناه بشيخ من بني أسد, فقال له هارون: أخبرني ما هذه الأكمة؟ قال: إنْ جعلتَ لي الأمان أخبرتُك. قال: لك عهد الله وميثاقه ألاّ أهيجك ولا أوذيك. فقال: حدثني أبي عن آبائه أنهم كانوا يقولون إنَّ في هذه الأكمة قبر عليّ بن أبي طالب عليه السلام, جعله الله حرماً لا يأوي إليه شيء إلاّ أمن) .[٧]

  أما فيما يخص ما ذُكر من تعمير هارون للقبر الشريف فيحتاج الى إنعام نظر وفضل تأمّل. فقد نقل ابن طاووس رواية - لا يمكن الاطمئنان إليها لأسباب عدة- جاء فيها: (وفيما ذكر ابن طحّال: إنَّ الرشيد بَنى عليه بنياناً بآجر أبيض أصغر من هذا الضريح اليوم, من كلّ جانب بذراع, ولمّا كشفنا الضريح الشريف وجدناه مبنياً, عليه تربةً وجصّاً, وأمر الرشيد أنْ يُبنى عليه قُبّة, فبُنيت من طين أحمر, وطرحَ على رأسها جرّة خضراء, وهي في الخزانة إلى اليوم) [٨] . وقد ورد في هامش كتاب فرحة الغري بتحقيق الشيخ محمد مهدي نجف انّه في النسخة (ط) جاءت الكلمة "حِبْرة".

    وقد شكّك الأستاذ الدكتور صلاح الفرطوسي في كتابه مرقد وضريح أمير المؤمنين بحقيقة العمارة المنسوبة لهارون, فقال:(وإذا أعدنا النظر برواية ابن الطحال فسنراها بدون سند أو مصدر يؤيدها, بل أراها متدافعة لا تقوى على الصمود, فالضريح المقدس بنيت عليه غير بناية ما بين القرنين الثالث والسادس, واشتهرت من عماراته عمارة بقبة بيضاء هي عمارة عضد الدولة).[٩]

    ومن الجدير بالذكر انَّ الدميري في كتابه "حياة الحيوان الكبرى" نقل عن ابن خلّكان ما يشير الى انَّ هارون العباسي قد حَجَّر القبر لا غير,ولا توجد في روايته إشارة لأي عمارة فخمة قد تم إنشاؤها لتكون بديلاً عن الدكة التي أقامها الإمام جعفر الصادق عليه السلام, قال الدميري:(فأمر الرشيد أن يُحجّر الموضع فكان أول أساس وضع فيه ثم تزايدت الأبنية فيه في أيام السامانية وبني حمدان, وتفاقم في أيام الديلم, أي أيام بني بويه).[١٠]

    فضلاً عن ذلك فانَّ ما يضعف هذه الرواية ويدفع الى رفضها انَّ بناء القباب على القبور لم يكن معروفاً في ذلك العهد. فمن المعروف انَّ أول قبّة شيدت على ضريح في العراق كانت على قبر المنتصر بالله بن المتوكل العباسي في سامراء الذي توفي في سنة 248/862م. قالت الدكتورة سعاد ماهر بهذا الصدد: (حرصت والدة الخليفة المنتصر - وهي إغريقية الأصل- على بناء ضريح له بعيداً عن القصر الذي يسكنه عُرف بإسم قبة الصٌّليبية).[١١]

حادثة نبش القبر

  في سنة 273هـ عزم أحد الاشخاص من بني العباس واسمه داود على نبش المرقد المطهر لأمير المؤمنين عليه السلام. وعلى أثر الكرامة الباهرة التي ظهرت لإمام المتقين صلوات الله عليه, تاب هذا الجاني من فعلته ووضع صندوقاً خشبياً على القبر الشريف, عُرف بصندوق داود العباسي. وقد توَهَّم بعض الكتاب ومنهم السيد جعفر بحر العلوم في كتابه "تحفة العالم" ومن جاء بعده وظنوا انَّ هذا الشخص هو داود بن علي العباسي المتوفى سنة 133هـ, الذي  كان والياً على الكوفة في أيام أبي العباس السفاح.

    ومن الجدير بالذكر انَّ الأستاذ الدكتور صلاح الفرطوسي في كتابه "مرقد وضريح أمير المؤمنين عليه السلام" قد أزال الالتباس إذ بين وجهة نظره في حقيقة صاحب هذا الصندوق فقال: (ويبدو أنَّ الصندوق الذي وضعه داود العباسي على قبر الامام وَهَمَ في حكايته كثير من الكتاب, وهي تحتاج إلى فضل تأمّل أيضاً, إذ تحوَّل صاحبه من داود العبّاسي أحد الشخصيات العبّاسية التي كانت تسكن في الكوفة سنة 273هـ/886 م إلى داود بن علي العباسي عم السفاح والمنصور المتوفى سنة 133 هـ/751 م ... إذ إنَّ الصُّندوق لم يأمر بوضعه داود بن علي عم السفاح والمنصور, كما أنّه لم يأمر بنبش القبر ولا علاقة له بأمره من قريب أو بعيد, وإنّما الذي أمر بنبشه شخصية عبّاسية أخرى اسمه داود من شخصيات القرن الثالث الهجري كان في الكوفة سنة273هـ/886 م).[١٢]

     إنَّ أصل الخبر كان قد ورد في كتاب "تهذيب الأحكام" 6/88-89 للشيخ الطوسي، وقام السيد عبدالكريم بن طاووس بنقل الرواية حرفياً عن التهذيب ووردت في الباب الخامس عشر من فرحتِهِ المتضمن بعض ما ظهر عند الضريح المقدس مما هو كالبرهان على المُنكر من الكرامات, قائلاً: (أخبرني عمّي السعيد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس, والفقيه نجم الدين أبو القاسم بن سعيد, والفقيه المقتدى بقية المشيخة نجيب الدين يحيى بن سعيد, أدام الله بركتهم, كلهم عن الفقيه محمد بن عبدالله بن زهرة الحسيني, عن محمد بن الحسن العلوي الحسيني الساكن بمشهد الكاظم عليه السلام, عن القطب الراوندي, عن محمد بن علي بن الحسن الحلي, عن الطوسي - ونقلته من خطه حرفاً حرفاً - عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان, عن محمد بن احمد بن داود, عن أبي الحسين محمد بن تمّام الكوفي, قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحجاج من حفظه, قال: كنّا جلوساً في مجلس ابن عمّي أبي عبدالله محمد بن عمران بن الحجاج, وفيه جماعة من أهل الكوفة من المشايخ, وفيمن حضر العباس بن أحمد العباسي, وكانوا قد حضروا عند ابن عمّي يُهنئونه بالسلامة, لأنّه حضر وقت سقوط سقيفة سيدي أبي عبدالله الحسين بن علي عليه السلام في ذي الحجة من سنة ثلاث وسبعين ومائتين, فبينا هُم قعود يتحدثون, إذ حضر المجلس إسماعيل بن عيسى العبّاسي, فلمّا نظرت الجماعة إليه أحجمت عمّا كانت فيه, وأطال إسماعيل الجلوس, فلمّا نظر إليهم, قال لهم: يا أصحابنا أعزّكم الله, لعلّي قطعت عنكم حديثكم بمجيئي؟ قال أبو الحسن علي بن يحيى السليماني - وكان شيخ الجماعة ومقدّماً فيهم-: لا والله يا أباعبدالله أعزّك الله, ما أمسكنا لحالٍ من الأحوال.

    فقال لهم: يا أصحابنا اعلموا أنَّ الله عزَّ وجل مُسائلي عمّا أقول لكم, وما أعتقده من المذهب, حتى حلف بعتق جواريه ومماليكه وحبس دوابّه إنّه ما يعتقد إلاّ ولاية علي بن ابي طالب والسادة الأئمة عليهم السلام, وعدّهم واحداً واحداً, وساق الحديث.

    فانبسط إليه أصحابنا, وسألهم وسألوه, ثُمّ قال لهم: رجعنا يوم الجمعة من الصلاة من المسجد الجامع مع عمّي داود, فلما كان قبل منازلنا وقبل منزله وقد خلا الطريق قال لنا: أينما كنتم قبل أنْ تغرب الشمس فصيروا إليَّ, ولا يكون أحد منكم على حال فيتخلف - لأنَّهُ كان جمرة بني هاشم - فصرنا إليه آخر النهار وهو جالس ينتظرنا, فقال: صيحوا بفلان وفلان من الفعلة, فجاءه رجلان معهما آلتهما, والتفت إلينا فقال: اجتمعوا كلّكم فاركبوا في وقتكم هذا وخذوا معكم الجمل - غلاماً كان له أسود يُعرف بالجمل, وكان لو حمل هذا الغلام على سَكرِ دجلة لسَكَرها من شدته وبأسه - وامضوا إلى هذا القبر الذي قد أفتتن به الناس, ويقولون إنّهُ قبر عليّ, حتى تنبشوه, وتجيئوني بأقصى ما فيه.

فمضينا إلى الموضع, فقلنا: دونكم وما أمر به, فحفر الحفّارون وهم يقولون لا حول ولا قوة إلاّ بالله في أنفسهم, ونحن في ناحية, حتى نزلوا خمسة أذرع, فلمّا بلغوا إلى الصلابة قال الحفّارون: قد بلغنا إلى موضع صلب, وليس نقوى بنقره, فأنزلوا الحبشي, فأخذ المنقار فضرب ضربة سمعنا لها طنيناً شديداً في البَر, ثُمَّ ضرب ثانيةً, فسمعنا طنيناً أشدّ من ذلك, ثم ضرب الثالثة فسمعنا طنيناً أشدّ ممّا تقدّم, ثُمَّ صاح الغلام صيحةً, فقمنا فأشرفنا عليه وقلنا للذين كانوا معه: سلوه ما له؟ فلم يُجبهم وهو يستغيث, فشدّوه وأخرجوه بالحبل, فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى مرفقه دمٌ وهو يستغيث لا يُكلّمنا, ولا يُحسن جواباً, فحملناه على البغل ورجعنا طائرين, ولم يزل لحم الغلام ينتثر من عضده وجنبه وسائر شقّه الأيمن, حتى انتهينا إلى عمّي, فقال أيش وراءكم؟ فقلنا: ما ترى! وحدثناه بالصورة, فالتفت إلى القبلة وتاب ممّا هو عليه, ورجع عن مذهبه, وتولّى وتبرّأ, وركب بعد ذلك في الليل إلى علي بن مصعب بن جابر, فسأله أنْ يضع على القبر صندوقاً, ولم يخبره بشيء مما جرى, ووجَّهَ بمن طمَّ الموضع, وعَمّرَّ الصندوق عليه, ومات الغلام الأسود من وقته).[١٣]

  ولمزيد من التوضيح قال الأستاذ الدكتور عبدالهادي الابراهيمي في كتابه "قطب الدائرة, الامام علي بن أبي طالب عليه السلام" ما نصه:(ومن الجدير بالذكر اننا عندما نراجع رواية شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي التي نقلها العلامة ابن طاووس لأجل التحقق نلاحظ انّه لم يذكر بأنَّ الشخص المعني هو داود بن علي العباسي عم السفّاح وإنما داود عم اسماعيل بن عيسى العباسي صاحب الرواية. فضلاً عن ذلك فإنَّ التاريخ الذي تضمنته عبارة "لأنه حضر وقت سقوط سقيفة سيدي أبي عبدالله الحسين بن علي عليه السلام في ذي الحجة من سنة ثلاث وسبعين ومائتين", التي وردت في صدر الرواية يمدنا بمعلومة غاية في الأهمية, وهي انَّ حادثة نبش القبر وإقامة الصندوق بعدها على القبر قد وقعت في سنة 273هـ في أيام الخليفة المعتمد (256-279هـ) وليس في زمن الخليفة السفاح (132-136هـ). ولو جرى تمحيص الرواية قليلاً من قبل المؤرخون لما وقعوا بهذا الوهم الكبير).[١٤]

    وقد بقي هذا الصندوق موضوعا على القبر مدة عشر سنوات إلى حين قيام  السيد محمد بن زيد الداعي الحسني ببناء العمارةالأولى لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام في سنة 283هـ فلم يرفع الصندوق بل بنى فوقه. ورد في كتاب "فرحة الغري" قول أبو الحسن بن الحجاج: (رأينا هذا الصندوق الذي هذا حديثه لطيفاً, وذلك قبل أنْ يُبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن بن زيد)[١٥]. ولا يخفى الاشتباه الذي ورد في الرواية, فهي نسبت العمارة إلى الحسن بن زيد الداعي ولكن الصحيح انَّ صاحبها هو أخيه محمد بن زيد الداعي كما ورد في روايات عدة ذكرها العلامة ابن طاووس وغيره.

عمارات المرقد العلوي المطهر

  أقيمت على المرقد العلوي المطهر منذ ان أظهره الإمام جعفر الصادق عليه السلام وعلى تعاقب القرون عمارات وإصلاحات كثيرة. قال السيد عبدالكريم بن طاووس في "فرحة الغري" : (ولو أخذنا في ذكر من زارهُ وعَمَرَهُ, وتقرّب إلى الله تعالى بذلك لأطلنا فيه, من الملوك, والعظماء, والوزراء, والأدباء, والقضاة, والفقهاء, والعلماء, والمحدّثين النبلاء).[١٦]

    وهنا يجب ان نذكر ان المتوكل العباسي - لعنه الله- أمر في سنة 236هـ/850م بهدم قبري أمير المؤمنين وأبي عبدالله الحسين عليهما السلام ومنع الشيعة من زيارة هذين المشهدين, ولم تنتهي المحنة إلا بمقتله على يد ولده المنتصر في سنة 247هـ/861م, والذي تسلم مقاليد الحكم وخفف من التضييق على الشيعة. يقول المؤرخ المسعودي في "مروج الذهب": (وكان آل أبي طالب قبل خلافته في محنة عظيمة, وخوف على دمائهم, قد مُنعوا زيارة قبر الحسين والغريّ من أرض الكوفة, وكذلك مُنع غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد, وكان الأمر بذلك من المتوكل سنة ست وثلاثين ومائتين... ولم تزل الأمور على ما ذكرنا إلى أنْ أُستُخلِفَ المنتصر, فأمن الناس, وتقدّم بالكف عن آل أبي طالب, وترك البحث عن أخبارهم, وأنْ لا يمنع أحد زيارة الحيرة لقبر الحسين رضي الله تعالى عنه, ولا قبر غيره من آل أبي طالب, وأمر برد فدَكَ إلى وُلد الحسن والحسين, وأطلق أوقاف آل أبي طالب, وترك التعرض لشيعتهم ودَفَعَ الأذى عنهم).[١٧]

     ومما يجدر ذكره في هذا الصدد انَّ التضييق على العلويين وشيعتهم قد عاد بعد وفاة المنتصر بعد فترة حكم قصيرة استمرت لستة أشهر, ولم يعاد ترميم دكّة القبر التي هدمها المتوكل, بل تم رصف الحجارة حول القبر, وما يؤيد ذلك الرواية المهمة التي ذكرها ابن طاووس بسنده عن محمد بن علي بن دُحيم الشيباني, قال: (مضيتُ أنا ووالدي علي بن دُحيم, وعمّي حسين بن دُحيم, وأنا صبيٌّ صغير سنة نيف وستين ومائتين, ومعنا جماعة متخفّين إلى الغري لزيارة قبر مولانا أمير المؤمنين عليه السلام, فلمّا جئنا إلى القبر وكان يومئذ قبر حوله حجارة سند, ولا بناء عنده, وليس في طريقه غير قائم الغري)[١٨] . ونقل هذه الرواية المهمة العلاّمة المجلسي في "بحار الأنوار", وجاء فيها ما نصه: (فلمّا جئنا إلى القبر وكان يومئذ حول قبره حجارة سود ولا بناء حوله عنده).[١٩]

    واستمر الأمر على هذا الحال إلى أن وضع داود العباسي صندوقاً خشبياً على القبر الشريف في عام 273هـ/886م إثر حادثة النبش وظهور الكرامة كما ذكرنا ذلك آنفا. وبقي هذا الصندوق لمدة عشر سنوات معرضاً للظروف الجوية المختلفة الى أن أنشأ السيد محمد بن زيد الداعي الحسني العمارة الأولى لمرقد جده إمام المتقين عليه السلام. وسوف نستعرض العمائر التي شيدت على المرقد المقدس تبعاً لتسلسلها الزمني وكما يأتي:

عمارة الملك محمد بن زيد الداعي الحسني

أمر ملك طبرستان السيد محمد بن زيد الداعي الحسني في سنة 283هـ /896م ببناء حرم وقبّة للمرقد المطهر, وأحاط البناء بحصن فيه سبعون إيواناً لخدمة الزوّار والمجاورين. وكان هذا الملك قد أرسل أموالا من طبرستان لتعمير العتبات المقدسة في النجف وكربلاء والمدينة المنورة. قال ابن طاووس ما نصه: (وهو بنى المشهد الشريف الغروي أيام المعتضد, وقُتل في وقعة أصحاب السلطان, وقُبِرَ بجرجان, كذا ذكره في المشجرة).[٢٠] تُعد عمارة الداعي الحسني هي بداية التخطيط الحضري لمدينة النجف الأشرف ونشوء المشهد, فبدأت من حينها المجاورة للمرقد العلوي المطهر والدفن بقربه.

عمارة الأمير عبدالله بن حمدان الحمداني

هي عمارة والي الموصل الأمير أبو الهيجاء عبدالله بن حمدان الحمداني المتوفى سنة 317هـ. قال الإدريسي في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق": (وعلى ستة أميال من الكوفة قبّة عظيمة مرتفعة الأركان, من كل جانب لها باب مغلق, وهي مستورة من كل ناحية بفاخر الستور, وأرضها مفروشة بالحُصر السامانية, ويُذكر أنَّ بها قبر عليّ بن أبي طالب, وما استدار بالقبّة مدفن لآل أبي طالب, وهذه القبّة بناها أبو الهيجاء عبدالله بن حمدان في دولة بني العباس, وكان قبل في دولة بني أميَّة مخفياً).[٢١]

وقد رجّح الأستاذ الدكتور صلاح الفرطوسي أنْ يكون تاريخ بناء هذه العمارة في عام 311هـ إذ يقول ما نصه: (ولم يقف أحد من الباحثين على تاريخ محدَّد لهذه العمارة, ويغالبني الظن أنَّ الأمر بها كان في سنة 311 هـ/ 923م, إذ إنَّ أبا الهيجاء كُلّف بالحج نيابة عن الخليفة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة, أو أنّه قرر الحج فيها, ولابدَّ أنَّه توقف في الكوفة على عادة حجيج العراق, وزار قبر أمير المؤمنين عليه السلام, وأمر بإعماره ثم توجَّه من بعد الى الحج...).[٢٢]

عمارة الزعيم عمر بن يحيى العلوي

  أقيمت هذه العمارة من قبل زعيم الكوفة عمر بن يحيى العلوي في سنة 338هـ /949م, فقد بنى حرماً جديداً وقبّة كبيرة على المرقد العلوي المقدس. قال الشيخ محمد حسين حرز الدين في "تاريخ النجف الأشرف" عن العلوي ما يأتي: (اختصّه الله بفضيلتين فضيلة بناء قبّة جدّه أمير المؤمنين عليه السلام من خالص ماله, وردّ الحجر إلى محلّه, حيث توسّط الشريف أبو علي عمر بن يحيى العلوي هذا بين الخليفة المطيع لله في سنة 339هـ وبين القرامطة حتى أجابوه إلى ردّ الحجر الأسود, وجاؤا به إلى الكوفة وعلّقوه على الاسطوانة السابعة من أساطين الجامع قبل ردّه إلى بيت الله الحرام, وذلك تصديق لما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في إخباره بالمغيّبات).[٢٣]

عمارة السلطان عضد الدولة البويهي

ام حاكم بغداد السلطان عضد الدولة البويهي بإزالة العمارة السابقة وإنشاء عمارة فخمة بقبة بيضاء على المرقد العلوي المقدس في سنة 366هـ/976م في عهد الخليفة الطائع العبّاسي وستر جدران الحرم بخشب الساج المنقوش.

    وعندما تُوُفَّيَ في سنة 372هـ دُفن في المشهد المطهر- بناء على وصيته- فتم دفنه في الرواق الشرقي للحضرة الشريفة مما يلي القدمين. قال الدميري: (ولما مات كُتم موته, ودُفن بدار المملكة ببغداد ثم ظهر موته, وأُخرج من قبره وحُمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فدُفن به, وكان عضد الدولة قد بنى المشهد قبل موته).[٢٤]

    وجاء في كتاب "تاريخ النجف الأشرف" نقلاً عن الكتاب الفارسي "مجمل فصيحي" ما نصه: (في هذه السنة - أي 366هـ - تولّى عضد الدولة أبو شجاع فناخسرو بن ركن الدولة بن بويه الديلمي الإمارة بعد وفاة والده ركن الدولة, وهي السنة التي شيّد فيها دار الشفاء في بغداد, ودار الشفاء في شيراز, وعمارة ضريح قبر علي أمير المؤمنين عليه السلام في النجف...).[٢٥]

    ويقول الشيخ محمد حسين حرز الدين في تاريخِهِ: (وأقام عضد الدولة أمام الرواق بهواً كان يجلس فيه متأدباً لقضاء الحوائج, وفي هذا البهو وتحت الرواق عُقدت حفلة حضرها الأمراء والنقباء والعلماء, وهناك ألقى الشاعر الشهير الحسين بن الحجّاج قصيدته الفائيّة الشهيرة. وأقام حصاراً فيه الغرف والإيوانات, وأنشأ داراً للضيافة, وبذل الطعام للزائرين ثلاثة أيام, وأجرى الجرايات, وبثَّ العطاء للذين ينوون الإقامة والمجاورة).[٢٦]

    ويعطينا ابن بطوطة في رحلته الشهيرة وصفا لعمارة عضد الدولة البويهي عندما زار النجف عام 726هـ/1325م قائلاً: (... ثم باب الحضرة حيثُ القبرُ الذي يزعمون أنّه قبرُ عليّ عليه السلام, وبإزائه المدارس والزوايا والخوانق معمورة أحسن عمارة, وحيطانها بالقاشاني, وهو شبه الزّليج عندنا لكن لونَه أشرقُ ونقشَه أحسنُ.

    ويُدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة, ولكل وارد عليها ضيافة ثلاثة أيّام من الخبز واللحم والتمر مرّتين في اليوم, ومن تلك المدرسة يُدخلُ إلى باب القبّة, وعلى بابها الحُجّاب والنقباء والطواشيّة, فعندما يصل الزائر يقومُ إليه أحدهم أو جميعهم وذلك على قدر الزائر, فيقفون معه العتبة, ويستأذنون له, ويقولون: عن أمركم يا أمير المؤمنين هذا العبدُ الضعيف يستأذن على دخوله الروضة العليّة فإنْ أذنتم له وإلاّ رجع, وإنْ لم يكن أهلاً لذلك فأنتم أهلُ المكارم والستر, ثم يأمرونه بتقبيل العتبة وهي من الفضّة وكذلك العضادتان, ثمَّ يدخل القبّة وهي مفروشة بأنواع البُسط من الحرير وسواه, وبها قناديل الذهب والفضّة, منها الكبارُ والصغارُ, وفي وسط القبّة مسطبةٌ مربّعة مكسوّة بالخشب عليه صفائح الذهب المنقوشة المُحكمة العمل, مُسَمّرة بمسامير الفضّة, قد غلبت على الخشب بحيث لا يظهر منه شيء, وارتفاعُها دون القامة, وفوقها ثلاثةٌ من القبور يزعمون أنَّ أحدها قبرُ آدم, عليه الصلاة والسلام, والثاني قبرُ نوح, عليه الصلاة والسلام, والثالث قبرُ عليّ, رضي الله تعالى عنه. وبين القبور طُسوت ذهب وفضّة فيها ماء الورد والمسك وأنواع الطيب يَغمس الزائر يده في ذلك ويدهن به وجهه تبركاً. وللقبّة بابٌ آخر عتبته أيضاً من الفضّة وعليه ستور من الحرير الملوّن يُفضي إلى مسجد مفروش بالبُسط الحسان مستورة حيطانُه وسقفُه بستور الحرير, وله أربعة أبواب عتباتها فضّة وعليها ستور الحرير. وأهل هذه المدينة كلّهم رافضيّة).[٢٧]

العمارة الصفوية

وهي العمارة الفخمة الحالية للمرقد العلوي المطهر التي أمر بإنشائها الشاه عباس الأول الصفوي في سنة 1023هـ/1614م, لتحل محل العمارة الإليخانية. قال المؤرِّخ الشهير السيد حسين البراقي المتوفى سنة 1332هـ في كتابه "اليتيمة الغروية والتحفة النجفية" ما نصه:(وإنَّ بناء قبر أمير المؤمنين عليه السلام للشاه الأول وهو الشاه العباس الأول وكان هو الذي جمع البنائين والمهندسين وبذل الأموال الكثيرة, وبنوا القبّة والرواق والصحن الشريف وهو هذا البناء اليوم, وكان تفصيل الصحن والقبّة بنظر الشيخ البهائي رضي الله عنه).[٢٨]

     وعندما توفي الشاه عباس الأول في سنة 1038هـ , لم تكن العمارة قد اكتملت بعد فأتمها حفيده الشاه صفي بن صفي ميرزا بن الشاه عباس الأول. نقل مؤرِّخ النجف الشيخ جعفر محبوبه في موسوعته "ماضي النجف وحاضرها" عن كتاب "المنتظم الناصري" (فارسي) لمؤلفه محمد حسن خان 282 في حوادث سنة 1042 ما ترجمته:(جيء بماء الفرات إلى أرض النجف بحكم الشاه صفي, فإنّه حين ما جاء زائراً القبّة المنورة وذلك المرقد الطاهر رأى بعض النقصان في بناء المرقد أَمَرَ وزيره ميرزا تقي المازندراني بإصلاح تلك الأماكن المشرّفة فجاء بالمعامير والمهندسين إلى النجف ومكث فيها ثلاث سنين مشغولاً بهذا العمل ووجدوا معدن صخر في غاية الصفاء والجودة في حوالي النجف فنقل ما يحتاجون إليه).[٢٩]

         وقد أشار الشيخ محمد السماوي في أُرجوزته الموسومة "عنوان الشرف في وشي النجف" إلى العمارة الصفوية بقوله:

ثم بنى الشاه بها (العباسُ)   ***    ما عجبت مما بناه الناسُ

فوسّع الصحن وشادَ القبّة     ***    وأحكم الأُس وأعلى التربة

إلى أنْ يقول:

ثم بَنى الشاه (الصفيّ) الصفوي    ***    حفيده أبـــــــهى بنـــــــاءٍ عَـلَوي

قبراً رخــــــــــامـاً دونـه  شبـاكُ   ***    لا الشمـــــس تحكيه ولا الأفـلاكُ

وقبـّــــــــــــة  بيــــــــن  منـارتيـنِ*** كالشمس  قد حُفـّت بكوكبينِ.[٣٠]

    ان العمارة الصفوية الحالية لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام هي تحفة فريدة من الفن الإسلامي الأصيل يحار القلم في وصفها ويقصر في التعبير عنها. فهي  تعدُّ أعظم وأفخم العمارات التي شيدت على مراقد أهل البيت عليهم السلام, وأجملها من حيث الهندسة والريازة, ولا تضاهيها أي عمارة أخرى.

    وقد تشرف العلامة الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي المعروف بالشيخ البهائي "قدس سره" المتوفى سنة 1030هـ أو 1031هـ بوضع  هندستها المعمارية بطلب من الشاه عباس الأول الذي كان معاصرا له. فضلا عن ذلك وضع البهائي في هندسته للروضة الشريفة إعجازاً فلكياً من قبيل تعيين زاوية الزوال وتحكيم بزوغ الشمس على الحرم المقدس. وقد تضمنت هندسة البناء أيضا جوانب عدة من الرمزية العقائدية المستوحاة من آيات القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت صلوات الله عليهم. وقد تناقل الخلف عن السلف ان غرفة الشيخ البهائي كانت تقع في الطابق العلوي في الجهة الغربية من الصحن الشريف وهي الغرفة المجاورة لرواق أبي طالب عليه السلام في الوقت الحاضر من الجهة اليسرى.

    يقول الاستاذ الدكتور حسن الحكيم: (وكان للشيخ البهائي (ت 1031) دور كبير في هندسة الصحن الشريف والحضرة الحيدرية, إذ من النادر ان نجد له ندا بين العلماء العرب والمسلمين في حذق العلوم الرياضية والفلكية والهندسية فضلا عن العلوم الدينية. وقد بقي في مدينة النجف الاشرف مدة من الزمن استاذا في مدرستها, ونشأت بينه وبين علماء النجف علاقات وثيقة ودارت بينه وبينهم مراسلات شعرية ونثرية بعد مغادرته النجف الى اصفهان, واثناء وضعه خطط الصحن الحيدري الشريف بنى مكانا لنعال الزائرين, وقد كتب عليه...).[٣١]

      وكان الشيخ البهائي قد نظم بيتين من الشعر نُقشت على القاشاني لتزيّن جدار المكان المخصص لحفظ الأحذية المعروف بالكيشوانية. ذكر البهائي في كتابه "الكشكول" ما نصّه: (قد صمّم العزيمة كاتب هذه الأحرُف محمد المشتهر ببهاء الدين العاملي على أنْ يبني مكاناً في النجف الأشرف لمحافظة نعال زوار ذلك الحرم الأقدس, وأنْ يكتب على ذلك المكان هذين البيتين اللذين سنحا بالخاطر الفاتر وهما:

هذا الأُفق المبينُ قد لاحَ لديكْ            ***    فاسجدْ متذللاً وعفّر خدّيكْ

ذا طورُ سينين فاغضضِ الطرفَ بِهِ    ***    هذا حَرَمُ العزَّةِ فاخلعْ نَعلَيكْ).[٣٢]

    أما أهم السمات الهندسية لهذه العمارة فتتمثل بالقبة البصلية الشكل ذات الرقبة الطويلة التي يبلغ ارتفاعها عن أرض الصحن العلوي الشريف30 متراً - الى حد عقدة البناء-, لذا فهي تعد أعلى قباب الأئمة عليهم السلام. وان ما يميز المنارتين الاسطوانيتين هو انخفاضهما عن القبة المنورة بمتر واحد. ويلاحظ ان المدخل الرئيس للحرم الشريف يكون من الجهة الشرقية من جهة الإيوان الكبير.

    ويقع الحرم المقدس وسط الصحن الحيدري الشريف. ويلاحظ ان الصحن يتخذ شكلا مربعا وله باحات ثلاث الشرقية والشمالية والجنوبية, ويُحاط الصحن بسور كبير يتألف من مجموعة كبيرة من الغرف التي تنتظم بطابقين تتقدمها الأواوين. ومن الجدير بالذكر ان أبواب الصحن الشريف كانت ثلاثة في وقت إنشاء هذه العمارة وهي المعروفة الآن بباب الساعة من الجهة الشرقية وباب الطوسي من الجهة الشمالية وباب القبلة من الجهة الجنوبية.

    وان ما يميز العمارة الصفوية هو جدرانها المكسوة بالقاشاني ذي النقوش الزخرفية ذات الأشكال المتنوعة والتناسق الدقيق والألوان المشرقة وقد ضمنت الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة والقصائد الشعرية في مدح أهل البيت عليهم السلام ولا سيما سيد الأوصياء عليه السلام. ومما يجدر ان نذكره هنا ان المرقد لم يكن مذهبا في العهد الصفوي بل مكسوا بالحجر القاشاني الأزرق حتى زمن السلطان نادر شاه  إذ أمر في سنة 1155هـ/1742م بقلع القاشاني عن القبّة والمنارتين والإيوان الكبير وإكسائها بالصفائح النحاسية المطلية بالذهب الخالص.  

تاريخ تَذهيب المرقد العلوي المطهر

كان بناء المرقد العلوي في العهد الصفوي مغلفاً بالحجر القاشاني الأزرق بعد اكتمال التشييد، ولكن بعد انتهاء عهد السلطة الصفوية وتولي السلطان نادر شاه الأفشاري الحكم في إيران أَمَرَ بقلع القاشاني عن القبّة والمنارتين والإيوان الشرقي الكبير واستبدالها بالصفائح النحاسية المطلية بالذهب الخالص. وقد ابتدأ العمل بالتذهيب في سنة 1155هـ/1742م وانتهى في سنة 1156هـ/1743م.

     ونقل الشيخ محمد حسين حرز الدين في تاريخه عن كتاب "نادر نامه" (فارسي) 473 ما ترجمته:(حينما صدر الأمر من السلطان نادر شاه بتذهيب القبّة المباركة امتثل أمره بذلك خدّام العتبة الملوكية أحسن امتثال فاعتنوا بتذهيب القبّة المطهرة أحسن عناية, وقد ضبطوا حساب ما صُرف لهذا المشروع فبلغ ما يعادل خمسين ألف تومان, وقد أحال حساب ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام).[٣٣]

    ولعلَّ من المناسب أنْ نذكر هنا ما نقله البراقي في "اليتيمة الغروية" عن الشيخ محمد كبّة في كتابه "الدرر المنثورة" ما نصه: (وفي سنة خمس وخمسين ومائة وألف تم بناء قبّة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بالذهب مع الحضرة الشريفة, والذي بناها نادر شاه حيث نذر إنْ أمكنه الله من بلاد الهند ليفعل ذلك, فأمكنه الله وفتح الهند وبلاد كثيرة ويُقال له أبو الفتوح، فوعد بما عاهد نفسه من النذر).[٣٤]

    وبغض النظر عن السبب الذي دفع نادر شاه إلى تذهيب المرقد العلوي فلا يخفى على المتأمل المعنى الرمزي الكبير لعملية التذهيب والتي تدل على انَّ الذهب قد جاء خاضعاً لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام بعد أنْ زهد فيه وفي الدنيا بأجمعها, وله عليه السلام في ذم الدنيا والحث على الزهد خطب وأحاديث كثيرة.

     ويلاحظ ان عملية التذهيب قد تضمنت الكثير من الزخارف الرائعة  والصفائح التي نقش عليها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والقصائد الشعرية باللغات العربية والفارسية والتركية, وتم توثيق عام اكتمال عملية التذهيب وهو (1156ه) بالتواريخ الشعرية وبالأرقام.   

     وقد أرّخ عدد من الشعراء والعلماء عام الشروع بتذهيب القبّة العلوية المطهرة (1155هـ), ومنهم العلاّمة السيد نصر الله الحائري (ت 1168هـ) إذ نظم قصيدة طويلة جاء في بعض أبياتها:

إذا ضامك الدهر يوماً وجارا      ***      فلُذْ بحمى أمنع الخلق جارا

وما يبلغ التبرُ من قبّةٍ              ***       بها عالم المُلكِ زاد افتخارا

تُبدى سناها عياناً فأرّختُ      ***      (آنستُ من جانب الطور نارا).[٣٥]

      ويطوّق القبّة في أعلى الرقبة شريط من المينا الزرقاء نُقشت عليه بحروف ذهبية آيات كريمة من سورة الفتح، ويوجد في أعلى وأسفل الآيات القرآنية أبيات شعرية فارسية وتركية. ومن الجدير بالذكر انَّ وضع الشريط بمكانه قد تمَّ في سنة 1156هـ, إذ كُتِب في اللوحة الأخيرة من حزام القبّة باللغة العربية ما نصه: (فالحمد لله الذي أكرمنا بهذه النعمة العظمى في سنة 1156هـ، قد تشرّف بكتابتها في طهران محمد حسين التبريزي).[٣٦]

        وقد وُضع في أعلى الرمانة الذهبية للقبّة إكليلا ذهبياً ذو رمزية عقائدية مستوحاة من فكر أهل البيت عليهم السلام، إذ يتألف من طُرّة دائرية الشكل يبرز منها أربعة عشر شعاعاً ترمز للمعصومين الأربعة عشر (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين صلوات الله عليهم), ويعلو الطُرّة كفاً كُتب براحته الآية القرآنية }يدُ اللهِ فَوْقَ أَيْديهمْ{ سورة الفتح الآية 10، ولا يخفى انَّ الرمزية في الكف تشير إلى الخمسة أهل الكساء عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم والى بيعة أمير المؤمنين عليه السلام.

      ووُضع وفي أسفل شرفة المؤذن في كل منارة شريطاً كُتب عليه بحروف ذهبية آيات من سورة الجمعة على أرضية من المينا الزرقاء، وقد  خُتمت الكتيبة باسم كاتبها (مهر علي), ويلاحظ في الصف الأخير من البلاطات الذهبية في قاعدة المنارة الشمالية المجاورة لمرقد العلاّمة الحلي خمسة أبيات فارسية وفي آخرها إسم كاتبها محمد جعفر, وتنتهي القصيدة ببيت يتضمن تاريخا شعريا لاكتمال تذهيب المنارتين (1156هـ)، وهو:

بگفت مقري طبع نواسنج       ***       (تعالى شأنه الله أكبر).[٣٧]


      وبالمقابل نُقش على الصف الأخير من الصفائح الذهبية المزخرفة الموجودة في قاعدة المنارة الجنوبية المجاورة لمرقد المقدس الأردبيلي خمسة أبيات عربية. ويشير البيت الأخير في هذه القصيدة إلى عام اكتمال تذهيب المنارتين (1156هـ), والقصيدة هي:

ويعجب كل نور من سناه       ***      كما شمس الضحى بل صار أنورْ

تنوَّرَ عسجداً بمنار عزٍّ         ***       يدوم بقاؤه والليل أدبرْ

نهار مسرة الأمثال أضحى     ***       بذلك صبح أفق المصر أسفرْ

وفاز بذاك (نادر) كل عصر   ***          فسبّح ثم هلّل ثم كبّرْ

وقام مؤذّن التاريخ فيه          ***       يكرّر أربعاً (اللهُ أكبرْ).[٣٨]


      ومن الجدير بالذكر إنَّ حساب عبارة (الله أكبر) بقيم الحروف المتعارف عليه يساوي 289، وعندما يُضرب هذا الرقم في أربعة يكون المجموع 1156, وهو يمثّل السنة التي تم فيها اكتمال تذهيب المنارتين. فضلاً عن ذلك فقد تم توثيق تاريخ التذهيب بكتابة عبارة (سعداً عظيماً) منقوشة بالتخريم على شباك صغير بحجم الصفيحة الذهبية يقع في القسم الأسفل من المنارة الجنوبية, فلو جُمِعتْ قيم حروف هاتين الكلمتين وفقاً للحساب المتعارف فإنها تؤلّف الرقم 1156 وهو تاريخ اكتمال التذهيب.

       أما الإيوان الذهبي الكبير فهو بحق رائعة من روائع فن العمارة الإسلامية, وآية في الفخامة والجمال ودقة الصنعة, وهو يحوي الكثير من الزخارف والنقوش والكتابات والقصائد الشعرية باللغات العربية والفارسية والتركية. وقد تم توثيق اكتمال عملية التذهيب بمدوّنة كُتبت بخط الثلث المتراكب ضمن شريط عريض يقع في أعلى واجهة الإيوان الذهبي ما نصها:( الحمد لله تعالى, قد تشرف بتذهيب هذه القبّة المنورة والروضة المطهرة الخاقان الأعظم سلطان السلاطين الأفخم المظفر المؤيد بتأييد الملك السلطان نادر أدام الله ملكه وسلطنته وأفاض على العالمين برّه وعدله وإحسانه, خلّده الله ودولته, سنة ستة وخمسين ومائة بعد الألف, 1156ه).

إصلاح القبّة والمنارتين

    لقد جرت عدد من الإصلاحات على القبّة المنورة والمنارتين بعد فترة التذهيب الأولى في عهد نادر شاه ذُكرت في الكتب التي تحدثت عن تاريخ المرقد العلوي ولا سيما كتاب "ماضي النجف وحاضرها" للشيخ جعفر محبوبه وكتاب "تاريخ النجف الأشرف" للشيخ محمد حسين حرز الدين وكتاب "المفصل في تاريخ النجف الأشرف" للأستاذ الدكتور حسن الحكيم.

      أما أهم الإصلاحات فهو ما قام به التاجر النجفي الحاج محمد رشاد مرزه الذي تبرَّع للقيام بترميم التصدّعات في القبّة المنورة وإعادة تذهيبها على نفقته الخاصة بعد نيله موافقة زعيم الطائفة يومذاك سماحة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم قدّس سرّه. وقد ابتدأ العمل بالتذهيب في سنة 1388ه/1968م وانتهى في سنة 1391ه/1971م. وتمت إعادة تذهيب الصفائح للقسم البصلي العلوي من القبّة الذي يعلو الحزام فقط ولم يشمل العمل اعادة تذهيب الصفائح المغلّفة لرقبة القبّة. وقد تجاوزت كمية الذهب المصروف 50 كيلوغرام, وبلغت مصاريف العمل مليون دينار عراقي أي ما يعادل ثلاثة ملايين دولار في حينه[٣٩] وقد وقفتُ على مدوّنة نُقشت على الجانب الخلفي لإحدى الصفائح الذهبية تؤرِّخ لعام اكتمال التذهيب ما نصه:(تبرع الحاج محمد رشاد مرزه بتذهيب القبة سنة 1391).  

وقد أرَّخ الشاعر الشيخ عبدالغفار الأنصاري عام الشروع بالعمل (1388هـ) بقوله:

قد تجلّت قبّةٌ بالمرتضى       ***      ولها اللهُ جلالاً قد وهبْ

بورك المحسنُ في تذهيبها    ***       فبها نال (الرشادَ) والإرَبْ

ولها من لُطفهِ أرِّخ           ***       (كسا من سنا نور عليٍّ بالذهبْ).[٤٠]

مشروع الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة في إعادة التذهيب

 في بداية ثمانينيات القرن الماضي قام النظام البعثي بقلع حزام القبّة وإنزال إكليلها الذهبي فضلاً عن خلع الأشرطة والصفائح الذهبية التي نُقشت عليها القصائد الشعرية بحق أمير المؤمنين عليه السلام بدافع طائفي وعنصري لأنَّ هذه المدوَّنات قد كُتبت باللغات الفارسية والتركية. وأُبدلت المدوّنات الأصلية بصفائح صقيلة سبّبت تشويهاٍ واضحاً في منظر الإيوان الذهبي الذي يُعد السِمة الأجمل في عمارة المرقد العلوي المقدس, أما الإكليل الذهبي الأصلي فقد تم تغييبه وإبداله فيما بعد بإكليل آخر يحمل لفظ الجلالة (الله), في حين ظلّت القبّة عارية من حزامها.

     وبعد قيام الإنتفاضة الشعبانية في شهر آذار من عام 1991م قام النظام البعثي البائد بقصف مدينة النجف الأشرف بالصواريخ وقذائف المدفعية, فأصيبت القبّة الشريفة إصابات بالغة ولا سيما من الجهة الشمالية (جهة باب الطوسي), كما تضررت واجهة الإيوان الذهبي والباب الذهبية الكبيرة بفعل الرصاص وشظايا القذائف, ولم تراعَ حرمة المرقد العلوي المقدس من أزلام النظام الكافر, وبعد إخماد هذه الإنتفاضة تم ترميم الأضرار بشكل متسرع وغير دقيق.  

      وبعد زوال سلطة النظام البعثي في عام 2003م تولت المرجعية الدينية الرشيدة في النجف الأشرف مهمة الإشراف على العتبات المقدسة، وأصدر مجلس إدارة العتبة العلوية المقدسة قراراً نصَّ على: ( إعادة كل ما رُفِع ورفع كل ما وُضِع في زمن النظام السابق ولأغراض سياسية بعيدة عن قدسية وتاريخ العتبة المقدسة وفي أي موقع منها) [٤١]. وبناءً على ذلك قام المتخصصون في مجال ترميم اللوحات والكتائب التاريخية من لجنة إعمار العتبات المقدسة في إيران بتجديد الكتائب التي تمت إزالتها وتخريبها في عهد النظام البائد والتي كانت مرميّة في أحد مخازن الحرم العلوي الشريف.

      وتم ترميم وتجديد الصفائح الذهبية المطعمة بالمينا الزرقاء الخاصة بشريط القبّة العلوية وأُعلن عن اكتمال العمل في 13 رجب 1430ه الموافق 6 تموز 2009م. أما كتائب الإيوان الذهبي فقد تمت صيانتها وترميميها وطلائها وأُرجعت إلى أماكنها الأصلية ابتداء من سنة 2013م. ومن المناسب أن نذكر هنا قيام الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة بإنجاز صيانة وتذهيب أطواق المنارتين الشمالية والجنوبية في عام 1433ه/2012م.

     واستمراراً للنهج المتبع من قبل إدارة العتبة العلوية المقدسة المتمثل بالإهتمام بالتراث الثقافي المادي وغير المادي للمرقد العلوي المطهر وتوظيف جميع الطاقات والإمكانيات المتوافرة من أجل خدمة هذا المكان المقدس, وبإشراف مباشر من سماحة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله, تم وضع الحجر الأساس لمشروع إعادة تذهيب المرقد العلوي المطهر وذلك صباح يوم الخميس 10 ربيع الآخر 1434ه الموافق 21 شباط 2013م.

    وتتمثل أهمية هذا المشروع في إصلاح التصدعات في جدران القبّة الخارجية وإصلاح الصفائح الذهبية المزينِّة للمرقد المطهر والتي تضررت بسبب الظروف الجوية والأحداث العسكرية, إذ انَّ من أهم الاولويات هو الحفاظ على التراث العمراني والثقافي والشواهد التاريخية للعمارة العلوية الحالية. ومن الجدير بالذكر انَّ مشروع إعادة التذهيب قد تمت الموافقة عليه بعد اطّلاع المرجعية الدينية العليا على جميع التفاصيل وإعطائها التوجيهات اللازمة وتأكيدها على ضرورة الحفاظ على الصفائح الذهبية الأصلية وضرورة صيانتها وطلائها وإعادتها إلى أماكنها الطبيعية من أجل الحفاظ على الجوانب التراثية والتاريخية للمرقد المقدس.    

     وتم الاتفاق على أن يتولى فريق عمل متخصص من كوادر الدائرة الهندسية في العتبة العباسية المقدسة من ذوي الخبرة والمهارة المباشرة بالمرحلة الأولى من مشروع التذهيب وذلك بإعادة تذهيب رقبة القبّة. وبلغ عدد الصفائح الذهبية للرقبة 2525 صفيحة مرتبة بـ 18 صف (حلقة دائرية), ويبلغ قياس الصفيحة الواحدة 18x24 سم, أما كمية الذهب المستعملة فكانت 45 كيلوغرام, واكتملت هذه المرحلة في عام 2014م.

    أما المرحلة الثانية من المشروع المتمثلة بتذهيب القسم العلوي للقبّة فقد أُسندت إلى الكوادر الهندسية والفنية لمؤسسة الكوثر الإيرانية بالتعاون مع كوادر فنية متخصصة من العتبة العلوية المقدسة, وتم في عام 2014 م نصب الركائز الحديدية حول القبّة وقلع جميع الصفائح الذهبية, وفي شهر كانون الأول من عام 2015 تم افتتاح ورشتي العمل الخاصتين بإعادة تذهيب الصفائح الذهبية. وتمت تهيئة جميع الأجهزة والأدوات والمستلزمات المادية الخاصة بالعمل ومن ضمنها إنشاء مصعد كهربائي خاص بنقل المواد المستخدمة في عملية التذهيب.

    وجرى في يوم الأحد 13 ربيع الآخر 1437ه الموافق 24 كانون الثاني 2016م حفل افتتاح الشروع بتنفيذ المرحلة الثانية من اعادة تذهيب القبّة بحضور جمع غفير من الشخصيات الدينية والثقافية والأكاديمية والاجتماعي.

     وكان عدد الصفائح الذهبية المعاد طلائها للقسم العلوي من القبّة (فوق الحزام) 9217 صفيحة تشكل 76 صفاً أو حلقة مطوقة للقبّة, وعند جمعها مع صفائح الرقبة (أسفل الحزام)  البالغ عددها 2525 يكون المجموع الكلي لصفائح القبّة هو 11742 صفيحة. وقد بلغت كمية الذهب المستخدمة في تذهيب القسم العلوي للقبّة بحدود 131 كيلوغرام.

      ونظراً للأهمية التراثية والرمزية الكبيرة للإكليل الذهبي الأصلي المفقود فقد تم تصنيع نسخة طبق الأصل من هذا الإكليل في إيران وذلك بالاستعانة بإرشيف الصور القديمة. وقد روعي في عملية تصنيع الإكليل تطبيق أدق التفاصيل من حيث  المواصفات والحجم وبسعي الدكتور هادي الأنصاري. وتم صنع الإكليل من النحاس في مؤسسة الكوثر في طهران بإشراف مهندسين وخبراء متخصصين بالتراث, وتم طلائه بنحو كيلو ونصف من الذهب الخالص في ورشة العتبة العلوية المقدسة في النجف الأشرف. علماً انّ الإرتفاع الكلي للأكليل مع الرمانة التي يرتكز عليها يساوي 473,5 سم.

      وفي عصر يوم الأربعاء 7 ربيع الأول 1438هـ الموافق 7 كانون الأول 2016م أقيمت مراسم إحتفالية مهيبة لاستقبال موكب الإكليل الذهبي عند دخوله رحاب الصحن الحيدري الشريف شارك فيها رجال الدين ورؤساء العشائر ومنتسبو العتبة المقدسة وزائرو مرقد أمير المؤمنين عليهم السلام, وتم وضع الإكليل في مكانه الطبيعي متوجاً القبّة المنورة لسيد الأوصياء عليه السلام.

     وكان يوم 17 ربيع الأول عام 1438ه الموافق 17 كانون الأول عام 2016م موعداً لحدث تاريخي مهم تمثل بإزاحة الستار عن قبّة مرقد أمير المؤمنين عليه السلام بعد إعادة تذهيبها تزامناً مع ذكرى ولادة سيد الرسل النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلّم. وحضر حفل الافتتاح في الصحن الحيدري الشريف جمع كبير من الشخصيات الدينية والاجتماعية والثقافية والحكومية يتقدمهم المرجع الديني الشيخ محمد إسحاق الفياض ورئيس ديوان الوقف الشيعي السيد علاء الدين الموسوي وامين العتبة العلوية السيد نزار حبل المتين وأمناء وممثلو العتبات المقدسة فضلا عن ضيوف العتبة العلوية المقدسة والآلاف من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام الذين امتلأت بهم أروقة الصحن الشريف وقد تكحلت أعينهم برؤية القبّة العلوية المنورة بحلتّها الذهبية الجديدة بعد إزاحة الستار القماشي الأبيض عنها.

     أما التاريخ الشعري لعام إعادة التذهيب (1438ه) للقبّة العلوية المطهرة فقد نَظم فيه عدد من الشعراء المبدعين ومنهم الشاعر النجفي الأستاذ محمد علي الزهيري إذ يقول:

صَدحَ الحقُّ بصوتِ الشرفِ      ***      وزهى اللؤلؤ بينَ الصَدَفِ

فهنا شلالُ نورٍ دافقٌ               ***       وهنا المجدُ بأعلى الزُلَفِ

وهُنا تاجُ الهدى مؤتلقاً            ***        وبألطافِ المعالي يحتفي

وقبةُ قطبُ رحى الكون الذي      ***      بعلي المرتضى سرٌّ خفي

هي شمسُ الله في أرض الغري   ***       بشعاعٍ دائمٍ لن يختفي

جدَّدوا القبةَ تبراً صافياً            ***         وهيَ للأرواح أسمى هدَفِ

                   وبتاريخٍ (أجدهُ قد زَهتْ *** قبةُ الكرارِ فوقَ النجفِ)


وأرَّخ عام التذهيب شاعر العتبة العلوية المقدسة الأستاذ إبراهيم الكعبي فقال في قصيدة مطلعها:

مضى عهد المحبّةِ والتصابي             ***           وهذا الشيب يمحو من شبابي

الى ان يقول:

وهذا التبرُ ينطق كلَّ يومٍ                ***              بتفضيلِ الوصيِّ على الرقابِ

أقولُ مبيِّناً لمؤرخيهِ                ***              (بأنَّ التبرَ قولُ أبي تُراب)


كما أنشد الشاعر الكربلائي الأستاذ علي الصفار قصيدة في تاريخ التذهيب قائلاً:

يا قُبَّةً فيكِ رَوحُ الرُّوحِ يَنسَكِبُ             ***     حَيثُ الوجودُ على وَهْمِ الفَنا يَثِبُ

الى ان يقول:

قدْ جَدَّدَ العَزمُ والإخلاصُ عَسجَدَها         ***      فَطأْطأَتْ عِندها الأعيانُ والرُّتَبُ

للدَّهرِ أرِّخْ (عليٌّ يا أبا حسنٍ                ***     بمولدِ المصطفى قَدْ جُدِّدَ الذّهبُ)

معالم الحرم المطهر

    يقع الحرم العلوي أو الروضة الحيدرية أو الحضرة في وسط الصحن تقريباً, وهو مبنى مربع الشكل طول ضلعه 13.30م وتبلغ مساحته 176.89م2 وارتفاع جدرانه نحو 12.5م يحيط بالضريح الطاهر لأمير المؤمنين عليه السلام[٤٢]. وتعلو الحرم القبة التي تستند على أربعة ركائز تحصر بينها أربعة عقود أو أواوين كبيرة مرتفعة تحيط بالضريح المقدس من الجوانب الأربعة.

    تقول الدكتورة سعاد ماهر في "مشهد الإمام علي" عن هندسة الحرم ما نصه:(أما منطقة الإنتقال من المربع الى الدائرة التي تقوم عليها الرقبة فتتكون من ثلاثة مقرنصات, المتوسط منها - وهو الذي يقع في ركن المربع- نجد قاعدته الى أسفل ورأسه الى أعلى بينما نجد انَّ قاعدتي المقرنصين الجانبيين – واللذين يقعان في كوشة العقود الجانبية- الى أعلى ورأسيهما الى أسفل, ومثل هذا الإسلوب لم يظهر في العمارة الإسلامية إلاّ في القرن العاشر الهجري)[٤٣].

    وتمتاز الروضة المقدسة بدقة الريازة وروعة النقوش وجمال الألوان فهي بحق آية من آيات الفن المعماري الاسلامي الرائع, إذ تم تغليف الجدران بالمرايا المبهرة ذات الزوايا المنكسرة والزخارف الهندسية الجميلة, ويؤطر الأواوين الكبيرة للحرم أشرطة من القاشاني المعرّق كُتب عليها بعض السور القرآنية, وتعلوها أبيات شعرية. وتشاهد أرضية الحرم مكسوة  بالمرمر الاخضر الفاخر, كما انَّ الجدران مغلفة بالمرمر الى ارتفاع مترين.

   وعن فن التزجيج تقول الدكتورة اعتماد القصيري في "الروضة الحيدرية في النجف الأشرف" ما نصه:(يمثل فن الزخرفة بالمرايا فناً من أبرز الفنون المستخدمة في العتبات المقدسة القائمة في العراق, إذ استخدم التزجيج في زخرفة جدرانها وسقوفها, وفن التزجيج بالمرايا يعتبر من الفنون التي ابتدعها الفنان المسلم. ومن الصعوبة تحديد تاريخ دقيق لدخول هذا الفن في زخرفة عمارة الأضرحة والذي انتشر في الوقت الحاضر بشكل واسع, وأغلب الظن أن فن المرايا عُرف في نهاية القرن السابع عشر للميلاد وأوائل القرن الثاني عشر للهجرة وبصورة خاصة في العراق وإيران)[٤٤].

    وعن تاريخ تزجيج غرفة الحرم العلوي يقول المؤرخ الشيخ جعفر محبوبه في "ماضي النجف وحاضرها" :(كانت الحضرة المطهرة مبنية بالحجر القاشاني ولم توجد فيها هذه المرايا الملونة والنجارة البديعة, وكلها حدثت بعد عصر الشاه صفي وبها انطمس أكثر التاريخ القديم لعمارة الحضرة المعظمة, وأقدم أثر موجود بها أدركته ما هو مؤرخ سنة 1121هـ. ولما قلعوا الكتابات المحيطة بالروضة المقدسة من داخلها العليا والوسطى والسفلى ذهب هذا التاريخ ولم يعد. هذه ((الكتيبات)) الثلاث كانت من الجص مصبوغة بألوان الصبغ الزائل فأبدلت بالحجر القاشي الثمين الجيد, وكان الباذل لتجديدها رجل من أهالي خراسان بسعي الحاج السيد احمد مصطفوي وتم العمل سنة 1370هـ...).[٤٥]

    ويقول الشيخ محبوبه في موضع آخر من هذا الكتاب: (ويوجد في الحرم من جهة الرأس الشريف في الدعامة التي تكون مقابلة للقبلة بيت تاريخ - يوافق سنة 1204هـ- البيت:

قل لمن يسأل عن تأريخها *** (هي صرح من قوارير ممرد)

وهو تاريخ لوضع المرايا الموجودة عند الراس الشريف قلع مع الزجاج سنة 1368هـ ولم يُعد.[٤٦]

    وتم تجديد تزجيج الحضرة المقدسة على نفقة شاه إيران محمد رضا بهلوي في عام 1370هـ/1951م. وقد نظم عدد من الشعراء قصائدهم التي تؤرخ لهذا العمل ومنهم العلامة الشيخ  محمد حسين آل كاشف الغطاء فقال:

لرضا شاه كم تبدت أياد *** خالدات مثل الكواكب تزهر

مرقد المرتضى كساه مرايا *** نيرات من غرة الشمس أزهر

طاء طه الأمين قد أكملتها *** أرخوا (يدٌ من الشاه تشكر)[٤٧]

    ومن الجدير بالذكر قيام السلاطين والملوك والأمراء بإهداء الثريات الفاخرة النفيسة والقناديل المصنعة من الذهب والفضة للحضرة العلوية المطهرة. ففي عام 914هـ/1508م أهدى الشاه اسماعيل الصفوي قناديل ومفروشات ثمينة للروضة الحيدرية عند زيارته النجف الأشرف[٤٨]. كما أهدى الشاه ناصر الدين القاجاري للحضرة ثريا وقناديل وشمعدانات وتحف في عام 1299هـ/1881م, وقد أرَّخ الشيخ صالح التميمي لهذه الهدية بقوله:

أكرمْ بها من ثُريّا قد علت شرفاً *** لصِنو خيرِ البرايا سيدِ الرُسلِ

على الثُريّا عَلَتْ قدراً ومنزلةً *** أرِّخ (ثُريّا أميرِ المؤمنينَ علي).[٤٩]

    وأهدى ملك حيدر آباد مير عثمان علي خان ثريا بلورية للحرم الشريف تم تعليقها في ليلة عيد الغدير من عام 1354هـ/1936.[٥٠]

    وقد طرأت على أرضية الروضة الحيدرية إصلاحات عدة لعل أهمها ما قام به سلطان الهنود البهرة طاهر سيف الدين في عام1359هـ/1940م إذ تم قلع الصخر القديم ورصف أرضية الحرم وجدرانه بالمرمر الايطالي الصقيل الفاخر, وقد نظم الشيخ حسن السبتي قصيدة بهذه المناسبة وأرَّخ هذا التجديد بقوله:

ألا أنَّ سيف الدين قد زار قبره *** حوى أرخوا (جاهاً بتبليطه صخرا).[٥١]

    وفي اطار حملة الإعمار الشاملة التي قامت بها الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة لمعالم المرقد المطهر تم تنفيذ الكثير من أعمال الترميم والصيانة للمرايا والزخارف لحجرة الحرم العلوي فضلاً عن نصب الثريات الجديدة بإشراف الكوادر الهندسية والفنية في العتبة المقدسة. فقد تم تبديل مرمر جدران الحرم المطهر  وارضيته بالمرمر الأونكس الاخضر, كما تم تبديل الكتيبة القرآنية للأواوين الأربعة. إذ تلخصت الأعمال بقلع الكاشي القديم وإصلاح الجدران وتثبيت مسارات الأسلاك الكهربائية ومن ثم وضع كتيبة القاشاني المعرّق الجديدة التي تضمنت الآيات نفسها المكتوبة سابقاً وبخط الخطاط الايراني (موحدي). وتم رفع المرايا القديمة بسبب تضررها كما انَّ بعض المناطق قد تساقط منها الكثير من القطع, وبعد معالجة الجدران تم التغليف بالمرايا الجديدة  بذات النقوش والاشكال الهندسية للمرايا السابقة.[٥٢]

    وفي يوم 26 ربيع الثاني 1428هـ/2007م تم تعليق الثريا الكبيرة فوق شباك الضريح المطهر, وهذه الثريا الثمينة هي بطول ثمانية أمتار وبثلاثة أطواق تحتوي على الكرستال الفاخر ومطلية بالذهب وتم تصنيعها في مدينة مشهد المقدسة.[٥٣]  

أبواب الدخول للحرم العلوي المطهر:

   للروضة المقدسة في الوقت الحاضر ثمانية أبواب ذهبية ثمينة تفضي الى غرفة الحرم المطهر لسيد الأوصياء عليه السلام من الجهات الأربع. وهذه الأبواب الذهبية هي بديلة للأبواب الفضية القديمة, وتمتاز بجمال الصياغة ودقة الصنعة وهي مملوءة بالزخارف النباتية البارزة ونقش عليها الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة والقصائد الشعرية ويبلغ ارتفاع كل منها نحو 3 م وعرضها 2 م.    

    ففي الجهة الشرقية تم نصب البابين الذهبيين في عام 1376هـ/1956م على نفقة الحاج محمد تقي اتفاق الطهراني وبمسعى العلامة السيد محمد كلانتر, إذ كتب في شريط أسفل مصراعي الباب الأيمن بالنسبة للداخل للحرم ما نصه: (وله الحمد على ما وفقني لتوجيه عواطف الأخ الحاج محمد تقي الاتفاق إلى إنشاء هذا الباب, فاستقبلت دعوتي روحه العلوية فأنفق في سبيله من خالص ماله وأنا الراجي محمد الموسوي كلانتر).

    وللعلامة السيد موسى بحر العلوم قصيدة يؤرّخ فيها عام نصب هذين البابين كتبت على إطار الباب الشرقي الأيمن بالنسبة للداخل للحرم المقدس مطلعها:

أوتيتَ سُؤْلَكَ فاسْتأْنِفْ من العمل *** يا مَنْ أتى زائراً قبرَ الإمام علي

الى أن قال:

قامتْ على بابِها تدعو مؤرخةً *** (لُذْنا ببابِ أميرِ المؤمنين علي)

       وله رحمه الله قصيدة أخرى خُطت على إطار الباب الشرقي الأيسر بالنسبة للداخل للحرم المقدس والتي يقول في أولها:

أيُّها الراجون للهِ رضى *** يومَ لا ينفعُ مالٌ وبنونا

الى ان يقول مؤرّخاً:

فعلى اسْمِ اللهِ أرَخّ (وتلوا *** أدخلوها بسلامٍ آمنينا)

    فضلا عن ذلك كُتب على أرضية من الميناء الزرقاء في الجزء العلوي الضيق الفاصل بين البابين قصيدة ثالثة للسيد موسى بحر العلوم واصفاً فيها الصرح البديع للروضة المطهرة إذ يقول:

صرح تكلل باللئاليء والدرر*** للمرتضى حارت بصنعته الفكر

لن تخرق الأبصار نور جماله *** ولو استحالت هذه الدنيا بصر

الله أبدع صنعه لطفاً على *** أيدي الملائك لا على أيدي البشر

هذا النعيم وجنة الخلد التي *** وعد الكتاب بها وحدّثت السير

تفد الملائك من حظائر قدسها *** لتطوف حول ضريحه زمراً زمر

لله خير بنيّة قدسيّة *** دامت مدى الأيام خالدة الأثر

فكأن نور الكهرباء خلالها *** شهب السماء كأنَّ مرقده القمر

والشمس مصدر هذه الأنوار *** نور أخي النبي أبي الميامين الغرر

    أما البابين الذهبيين للحرم في الجهة الشمالية فقد تمت صياغتهما في إيران وتم نصبهما في يوم الجمعة 18 جمادى الأولى 1432هـ/2011م, في حين انَّ الأبواب الذهبية للجهتين الجنوبية والغربية قد تم تصنيعها في النجف الأشرف على نفقة الحاج معين الشيخ جابر جدّي النجفي, وقد نُقش أسفل الباب الأيمن للجهة الغربية ما نصه:(صُنع هذا الباب بمباركة المرجع الأعلى السيد السيستاني, على نفقة الوجيه الكبير الحاج معين الشيخ جابر جدّي النجفي 1433هـ). وقد دُونت على عضادات البابين الأيمن والأيسر أبيات من القصيدة الكوثرية الشهيرة للسيد رضا الهندي التي يقول في أولها:

يا من قد أنكر من آيات *** أبي حسن ما لا ينكرْ

    وكُتب على عُضادات البابين في الجهة الجنوبية قصيدة للعلامة الشيخ عبدالمنعم الفرطوسي مطلعها:

نشيدي وأنت له مطلعُ  *** من الشمس يعنو له مطلعُ

شباك الضريح المقدس

   تم تجديد شباك الضريح المقدس لأمير المؤمنين صلوات الله عليه مرات عدة خلال القرون المتعاقبة, وذكر الشيخ محمد حسين حرز الدين في "تاريخ النجف الأشرف" أنَّه: (لا يُعرف على وجه التحديد تاريخ وضع أول شباك على القبر الشريف, والذي يظهر انّهُ سابق لعام 1073هـ, وهو عام قصة العجوز التي شُفيت ببركة المرقد المطهر, وقد ذكرها العلاّمة المجلسي في بحاره, ونظمها العالم الاديب المعاصر لتلك الواقعة الشيخ يوسف الحصري بمنظومة طويلة أوردناها في أحداث السنة المذكورة, قال فيها:

فابتدرت تستلم الشباكا *** وكل مَن شاهدها تباكى.[٥٤]

وتم تجديد الشباك من قبل الشاه محمد شاه القاجاري بشباك فضي أرسل من إيران مع العالم محمد علي الهزارجريبي في عام 1211هـ/1796م[٥٥]. ونقل المؤرخ السيد حسين البراقي في "اليتيمة الغروية والتحفة النجفية" عن الشيخ محمد كبة في "الدرر المنثورة" انه في سنة 1262هـ/1845م جدد الشباك بأمر المعتمد عباس قلي خان وزير محمد شاه بن عباس شاه بن فتح علي شاه [٥٦].أما الشباك الرابع فقد تبرع به المشير السيد محمد الشيرازي -أحد رجال الشاه ناصر الدين القاجاري- في سنة1298هـ/1881م, وذكر البراقي في "قلائد الدرر والمرجان" في أحداث هذه السنة ما نصه : (وفيها يوم الخميس أول رمضان نصبوا شباك الفضة من بعد تعميره على مرقد أمير المؤمنين عليه السلام).[٥٧]

    أماّ شباك الضريح المطهر الموضوع على ضريح أمير المؤمنين عليه السلام في الوقت الحاضر فقد تبرّع به رئيس البهرة السيد طاهر سيف الدين, إذ اكتملت صناعته في الهند عام 1360هـ/1941م , وتم نصب الشباك ورفع الستار عنه في 13 رجب عام1361هـ/1942 بحضور رئيس وزراء العراق نوري السعيد, وهو تحفة فنية نادرة, صُنع من الفضة والذهب ويعد رائعة من روائع الفن الإسلامي, وصفه الأستاذ الدكتور صلاح الفرطوسي فقال: (فإنَّ الشباك الحالي يُعدُّ أعظم المشبَّكات التي وضعت على مراقد أهل البيت عليهم السلام وأفخمها, وأغلاها ثمناً, وأجملها ريازة وصناعة, وأفخمها بين التحف المعروفة في العالم, لا يستطيع الناظر إليهِ إلاّ أنْ يقف إجلالاً واحتراماً أمام الصاغة المهرة والفنيين البارعين الذين استطاعوا إنجاز هذه التحفة الفريدة التي يحار القلم في التعبير عن روعتها. أهداه إلى الروضة الشريفة إمام البهرة الهنود السيد طاهر سيف الدين, وأشرف على صناعته وتذهيبه أمهر الصُنّاع الذين عرفتهم الهند, واستغرق العمل فيه خمس سنوات, ويُقال: إنَّ عمله احتاج إلى عشرة ملايين غرام من الفضة وخمسمائة واثنين وخمسين ألف غرام من الذهب, وصُرف عليه في وقته ما يعادل ثمانين ألف دينار).[٥٨]

    يحتوي التاج الذهبي على ثلاثة أشرطة كتابية نقش عليها سور قرآنية وأحاديث نبوية شريفة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام. وجاء الإهداء في الجهة الجنوبية من الشريط الثالث حيث كُتب ما نصه: (الحمد لله الذي بتوفيقه تقرب إلى الله الملك الحق المبين والى وليه علي أمير المؤمنين إمام المتقين العابد لربه حتى أتاه اليقين وصي محمد سيد المرسلين المجموع إلى ميقات شرفه شرف الآخرين والأولين بعمل هذا الضريح المحفوف بالملائكة المقربين بالفضة الخالصة والذهب الإبريز الثمين عبد الله وعبد وليه أمير المؤمنين الداعي إلى حب آل محمد الطاهرين أبو محمد طاهر سيف الدين من بلاد الهند سنة ألف وثلاثمائة وستين هجرية 1360هـ).

         ونظم كثير من الشعراء والأدباء القصائد بمناسبة نصب هذا الشباك في عام 1361هـ ومنهم السيد علي الهاشمي إذ يقول:

يـدٌ (لسيف الدين) مشكورة *** سجّلـها  باللوح  رب العـلا

وكـل مـن والى أبا شبـر*** آي التهـاني  لعـلاه تــلا

نال بـها مكرمة لـم تكـن*** تنالهـا قبـل ملـوك المـلا

أهدى ضريحاً من لُجين لهم *** لولا يـد الرحمـن ما أكمـلا

لاح  بآفاق العـلا مشرقـاً *** سنـا ضريح المرتضى قد علا

وردَّد  القمـري  تاريخـه *** (ضريح  قـدس لعـليٍّ حـلا)

    يبلغ ارتفاع الشباك 4م وطوله 6,35م وعرضه5,10م ويتكون من جزئين رئيسين هما الشباك الفضي والتاج الذهبي الذي يعلوه. وقد زُين بأروع النقوش الإسلامية وبدائع الصور. يتألف الشباك الفضي من 18 نافذة (إحداها تضم الباب) مغلفة بنسيج من الكرات الفضية المنضودة مع بعضها بقضبان قصيرة. يفصل بين النوافذ أعمدة مزخرفة بالنقوش النباتية وعناقيد العنب البارزة, أما أعمدة الأركان فهي مطعمة بالذهب والياقوت الأحمر.

    وتقوم عند أركان التاج الذهبي أربع رمانات من الذهب الخالص وزُين التاج بالورود والقناديل الذهبية. ويعلو الشباك الفضي كتيبة من المينا المطعمة بالفضة، كُتب عليها أبيات من قصيدة ابن أبي الحديد العينية التي يقول في مطلعها:

يا رسم لا رسمتك ريح زعزع *** وسرت بليل في عراصك خروعُ

    وبتبرع من طائفة البهرة تمت صيانة اجزاء عديدة من شباك الضريح المطهر.  فقد بوشر بعملية اعادة تذهيب الشباك بتاريخ 23/شوال/1426هـ، وذلك بإعادة طلاء التاج الذهبي للشباك وبطريقة الطرق اليدوي، مع التطعيم بالياقوت الأحمر لأسماء الله الحسنى المنقوشة على الورود الذهبية فوق الضريح الطاهر، إضافة إلى طلاء المساند الفضية الأربعة في أركان الشباك بالذهب الخالص، وتم اكتمال العمل في 5 شعبان 1427هـ/2006م.[٥٩]

    وفي سنة 1430هـ/2009م تم الانتهاء من تنصيب الاعمدة الجديدة لزوايا الشباك المطهر وهي مصنوعة من الفضة والذهب وذات مواصفات فنية وجمالية عالية من حيث براعة الصنع واحتوائها على الاحجار الكريمة من ياقوت احمر والماس إضافة الى الذهب والفضة[٦٠]. وجُدد باب الشباك في 16 جمادى الأول عام 1432هـ/ 2011م وحفظ القديم في مخازن العتبة العلوية المقدسة. وفي سنة 2016م أبدلت الاعمدة العشرين للشباك بأعمدة فضية جديدة مطعمة بالذهب كما تم صيانة وطلاء الخشب البورمي الأصلي الساند للشباك.[٦١]

الصندوق الخاتم

الصندوق الخاتم هو ما يوضع اعلى القبر وغالبا ما يكون مصنوعا من الخشب. وان اول من وضع صندوقا على قبر امير المؤمنين عليه السلام هو احد شخصيات بني العباس ويدعى داود العباسي في سنة 273هـ/886م تكفيرا عن ذنبه الذي اقترفه لمحاولته نبش المرقد المطهر لمعرفة حقيقته وكشف سره وظهور الكرامة الباهرة لإمام المتقين صلوات الله عليه, وقد وقعت حادثة النبش في أيام الخليفة المعتمد (256-279هـ) وتزامنت مع سقوط سقيفة مرقد الامام الحسين بن علي عليه السلام في ذي الحجة من سنة 273هـ[٦٢]. وبعد مرور عشر سنوات من وقوع تلك الحادثة شيد ملك طبرستان السيد محمد بن زيد الداعي الحسني العمارة الأولى لمرقد امير المؤمنين عليه السلام في سنة 283هـ/896م وبقي الصندوق في مكانه متوسطا الحضرة المطهرة ضمن العمارة الجديدة.[٦٣]

    ولعل من المناسب ان ننقل هنا ما ذكره الرحالة ابن بطوطة عن الصندوق الخاتم عندما زار النجف الاشرف في سنة 727ه/1327م حيث قال: (وفي وسط القبة مصطبة مربعة مكسوة بالخشب عليه صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسمرة بمسامير الفضة قد غلبت على الخشب بحيث لا يظهر منها شيء, وارتفاعها دون القامة, وفوقها ثلاثة من القبور يزعمون ان أحدها قبر آدم عليه الصلاة والسلام, والثاني قبر نوح عليه الصلاة والسلام, والثالث قبر علي رضي الله تعالى عنه)[٦٤] ومما يجدر ذكره في هذا الصدد ان العمارة القائمة يومذاك التي شاهدها ابن بطوطة كانت لعضد الدولة فناخسرو البويهي, فضلا عن ذلك يوجد في الخزانة العلوية كسوة نفيسة (بردة) لصندوق القبر المطهر يعتقد انها من اهداء السلطان البويهي.

   وفي عهد الشاه اسماعيل الصفوي المتوفى سنة 930ه/1524م أمر بصنع صناديق لأضرحة الائمة عليهم السلام في النجف الاشرف والكاظمية وسامراء بدلا من الصناديق القديمة[٦٥]. وفي عام 1126هـ/1714م تم تجديد الصندوق العلوي في عهد والي بغداد حسن باشا, وقد ارّخه الشاعر الاديب الشيخ محمد جواد بن عبد الرضا عواد النجفي البغدادي المتوفى سنة 1160هـ بقصيدة قال فيها :

لتباهي البلاد بغداد   ***  بوزير عدوه هابه

(حسن) من بحسن سيرته  ***  غرض العدل سهمه صابه

فلقد نال حسن توفيق   ***   كان رب السماء وهابه

عند تجديده لصندوق  ***  نشر الحسن فيه اثوابه

للإمام الذي لرفعته  ***  لثم العالمون اعتابه

ذو المعالي علي بن ابي طالب من غدا التقى دابه

اسد الله من بصارمه   ***  قدَّ عمرواً وصد احزابه

يا له من البهاء صندوقا  ***  مد فيه السناء اطنابه

فهو برج بدا به قمر   ***   ظلم الغي فيه منجابه

ألهم الحق فيه تاريخاً   ***   (أسد جددوا له غابه)[٦٦]

    وتبرع بصندوق الخاتم الحالي الملك محمد جعفر بن محمد صادق الزند عام 1202ه/1787م, ويعد هذا الصندوق تحفة فنية فريدة اذ يمتاز بدقة الصنعة وروعة النقش وجمالية الخطوط, وصنع من خشب الساج الهندي المنقوش بالعاج والصدف وانواع متعددة اخرى من الاخشاب الملونة, وطوق الصندوق بدعاء الجوشن ونقشت عليه بعض السور القرآنية واسماء المتبرع والنجار والخطاط وتاريخ الصنع. يقول الشيخ محمد حسين حرز الدين ما نصه:(وفي اسفل الصندوق يوجد شريط عريض من الكتابة بالخط الفارسي والنستعليق كتب فيه اسم الصانع والخطاط والمُهدي, وهذا نص ما كتب عليه:" قد تشرف ووفق بإتمام هذا الصندوق الرفيع خالصا لوجه الله تعالى واخلاصا لوليه واوليائه". التوقيع: كلب عتبة علي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام محمد جعفر بن محمد صادق الزند أدام الله تأييده في سنة 1202ه. وفي آخر هذا التوقيع : " عمل بنده خاكسار محمد حسين نجار شيرازي, وكتبه محمد بن علاء الدين محمد الحسيني, سنة 1198هـ).[٦٧]

    وفي سنة 1203ه/1788م ارسل الصندوق الخاتم من ايران الى النجف الاشرف وقد أرّخ تاريخ نصبه في الحضرة المطهرة الشاعر السيد صادق الفحام النجفي, وهذه قصيدته :

لله صندوق بديع صنعه     ***   ليس له في الحسن من مضاهي

اودعه صانعه عجائبا     ***    تجل عن حصر وعن تناهي

يرمقه الطرف فيغدو حائرا     ***   فيه ويرتد حسيرا ساهي

جل عن المثل جلال من به     ***   جل عن الانداد والاشباه

عيبة علم جددت قد حوت الـ     ***   علم الجليل الكامل الالهي

لذاك قد قلت به مؤرخا     ***   (قد جُدّدت عيبة علم الله).[٦٨]

    وعندما تم قلع الشباك الفضي القديم في اواخر سنة 1361ه/1942م وابدل بالشباك الحالي على نفقة سلطان البهرة طاهر سيف الدين, نصب حول الصندوق سور زجاجي لحمايته من تراكم الغبار تبرع به الحاج محمد صالح الجوهرجي, وللشاعر الشيخ حسن سبتي قصيدة ارخ فيها هذا العمل نقتبس منها هذه الابيات:

قد تجلى لعلي مرقد  ***  نوره يجلو الدجى والليل داج

فوقه صندوق قدس خاتم  ***  زانه نقش بإبريز وعاج

فوقه ألقوا غشاء حافظا  ***   من زجاج مانعا عنه العجاج

يا له صندوق قدس باهرا  ***  ساطعا ارّخه (يغشاه الزجاج).[٦٩]

    وقد طال الضرر صندوق القبر الشريف بسبب الاعمال العسكرية الهمجية للنظام البعثي البائد جراء استباحة المرقد المطهر عقب الانتفاضة الشعبانية سنة 1411هـ/1991م. وعندما تم صيانة وتذهيب الشباك الفضي عام 1438ه/2017 م من قبل طائفة البهرة تم تجديد الزجاج المحيط بالصندوق الخاتم بنوعية ذات جودة ومواصفات عالية وزينت الجوانب بأشرطة ذهبية جميلة نقش عليها اسم (علي) عليه السلام مرصعا بالياقوت الاحمر.

القبة الذهبية المنورة

  يتوج الحرم العَلَوي المقدس قبة مزدوجة خارجية وداخلية. فالقبة الخارجية الذهبية هي بصلية الشكل رائعة المنظر وتعد أعلى قباب أضرحة الأئمة المعصومين عليهم السلام إذ يبلغ ارتفاعها عن أرض الصحن الشريف 30 م - الى حد عقدة البناء- فيما يبلغ قطرها 16.6 م ومحيطها  51.85 م.  وتمتاز القبة برقبة طويلة يبلغ ارتفاعها5.60م[٧٠]. وللقبة 12 شباكاً يرمز العدد فيها الى أئمتنا المعصومين الإثني عشر (عليهم السلام).[٧١]

    يطوق القبة الشريفة من الخارج شريط من المينا الزرقاء بارتفاع 1.46م، نقشت عليه بحروف ذهبية بارزة الآيات العشر الاولى من سورة الفتح وهي قوله تعالى : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا* وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا *  لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمً } سورة الفتح 1-10.وقسمت مساحة الشريط طولياً إلى97سم في الوسط لكتابة الآية القرآنية الشريفة، وشريط في الأعلى وآخر في الأسفل بارتفاع 24سم، كتبت عليه أبيات من الشعر الفارسي.[٧٢]

    ومن الجدير بالذكر ان الاكليل الذهبي (الشعاع والكف) قد وضع في أعلى القبة عند تذهيبها في عهد السلطان نادر شاه. ويبلغ الإرتفاع الكلي للأكليل مع الرمانة التي يرتكز عليها 473,5 سم. ولهذا الاكليل رمزية عقائدية مستوحاة من فكر أهل البيت عليهم السلام[٧٣]، إذ يتكون من طُرّة دائرية الشكل تمثل قرص الشمس يبرز منها أربعة عشر شعاعاً ترمز للمعصومين الأربعة عشر (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين صلوات الله عليهم) وفيها إشارة إلى أنَّ أهل البيت عليهم السلام هم نور الله[٧٤]. ويوجد في وسط الدائرة قلب يتألف من جزئين مثبت حول محور, ولهذا القلب القابلية على الحركة والدوران بفعل الهواء, والإشارة هنا واضحة لكل لبيب وتعني انَّ مدار كل الدائرات هو على القُطب[٧٥]. ويعلو الطُرّة كف كُتب براحته الآية القرآنية }يدُ اللهِ فَوْقَ أَيْديهمْ{سورة الفتح الآية 10، ولا يخفى انَّ الرمزية في الكف تشير إلى الخمسة أهل الكساء عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم وإلى بيعة امير المؤمنين (عليه السلام).[٧٦]

    اما القبة الداخلية التي تعلو الضريح المقدس فهي محدبة الشكل على هيئة نصف كرة مستديرة تقريباً تستند على أربع ركائز كبيرة, ويبلغ ارتفاعها عن أرض الحرم23.50م وقطرها 13.5م وفيها 12 شباكاً لتهوية الحرم المطهر وإضاءته.

     ويُرى باطن القبة مطرزاً بالفسيفساء والقاشاني الجميل والزخارف الهندسية الرائعة, وغُلفت ركائز القبة والعقود الفاصلة بينها بقطع المرايا العاكسة، ويعلو الشبابيك شريط يطوق القبة من الداخل كتب عليه سورة الفجر، ويوجد شريط آخر أكثر عرضاً أسفل الشبابيك كتب عليه سورة النبأ التي يؤطرها من الأعلى والأسفل  48 بيت شعري من عينية ابن أبي الحديد المعتزلي التي مطلعها:

يا رسمُ لا رَسمتكَ ريحٌ زعزعُ        ***     وسَرَتْ بليل في عراصِك خروعُ

    وذكر نيبور في رحلته المشهورة عام 1178هـ /1765م عندما زار النجف الأشرف أنه:(ليس هناك في أي مبنى في العالم سقف أثمن من هذا السقف).[٧٧]

اصلاحات القبة العلوية المنورة:

   منذ اكتمال بناء القبة العلوية المطهرة في عهد الشاه صفي الصفوي جرت على القبة الشريفة اصلاحات عدة في فترات زمنية مختلفة وكما يأتي:

أولاً: قيام الوالي العثماني حسن باشا عام 1129هـ/1717م بترميم القبة التي كانت مغشاة بالقاشاني الازرق.[٧٨] 

ثانياً: قيام السلطان نادر شاه الأفشاري في عام 1155هـ/1742م بقلع القاشاني عن القبة والمنارتين والايوان الشرقي الكبير وابداله بالصفائح الذهبية.

ثالثاً: في شهر ذي الحجة من 1304هـ/ 1886م جرى ترميم القبة الشريفة بعد إصابتها بشقوق اذ تم قلع الصفائح الذهبية وسد الشقوق وتدعيم القبة بطوقين حديدين بإشراف ومن ثم أعيدت اليها الصفائح الذهبية كما كانت, وكان العمل بأشراف المعمار الحاج محسن والنجار حسين الشمس. وكان الفراغ من العمل في آخر شهر ربيع الاول من عام 1305هـ/1887م.  

رابعاً: ابتدأ هذا الاصلاح في عام 1347هـ/1928م واكتمل في شهر ربيع الثاني من عام 1348هـ/1929م, اذ اخذت مياه الأمطار بالتسرب الى داخل القبة فتم رفع الصفائح الذهبية وسد الشقوق والفرج بإشراف الحاج سعيد نجل الحاج محسن المعمار.

خامساً: في عام 1372هـ/1953م حدثت بعض الشقوق في محيط القبة الذهبية, فتم تكليف الحاج سعيد المعمار مجددا بصلاح هذه التصدعات فتم الكشف عنها وترميمها بالطابوق والجص والبورك مع اضافة اطواق حديدية مغلفة بالإسمنت بدلا من الدفين الخشبي البالي. وكان هذا العمل جزء من اعمال اخرى في المرقد المقدس كانت بإشراف رئيس لجنة تعميرات الروضة الحيدرية وهو قائمقام قضاء النجف الاشرف يومذاك.

سادساً: حدث تصدع كبير في القبة المنورة في منتصف العقد السادس من القرن العشرين بفعل الظروف المناخية فابتدأ العمل بترميمها في سنة 1388هـ/1968م بتبرع من التاجر النجفي الحاج محمد رشاد مرزة وبإذن من مرجع الطائفة السيد محسن الحكيم "قدس سره" اذ تم ترميم وتجديد القبتين الداخلية والخارجية من خلال نقض البناء القديم تدريجيا من اجل الحفاظ على هندسة العمارة الاصلية واستخراج الاخشاب المتآكلة وتدعيم البناء بسلسلة من القضبان الحديدية والاسمنت, اضافة الى اعادة تذهيب صفائح القبة العلوية المنورة وانتهى العمل في سنة 1391هـ/1971.[٧٩]

سابعاً: في عام1411هـ/1991م تعرضت القبة العلوية المقدسة الى قصف مدفعي من ازلام النظام البعثي البائد إثر الانتفاضة الشعبانية المباركة، وقد أصيبت  القبة الخارجية بإصابات بليغة وبخاصة من الجهة الشمالية، وبعد انتهاء الاحداث جرى اصلاح القبة وترقيع الاماكن المتضررة من القبة بصفائح جديدة يمكن تمييزها عن الصفائح الأصلية القديمة.[٨٠]

ثامناً: بعد انتهاء حكم النظام البعثي في العراق عام 1424هـ/2003م وإناطة مسؤولية الاشراف على العتبات المقدسة الى المرجعية الدينية الرشيدة في النجف الاشرف, جرى الاصلاح الأهم على القبة المنورة بموافقة وتوجيه المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني "دام ظله", إذ تضمنت المرحلة الأولى قيام الكوادر الهندسية المتخصصة في العتبة العباسية المقدسة بإعادة تذهيب رقبة القبّة, واكتملت هذه المرحلة في عام 2014م.

    أما المرحلة الثانية من المشروع المتمثلة بتذهيب القسم العلوي للقبّة فقد أُسندت إلى مؤسسة الكوثر الإيرانية بالتعاون مع كوادر فنية متخصصة من العتبة العلوية المقدسة. وفي شهر صفر عام 1436هـ/ كانون الاول عام 2014م تم نصب الركائز الحديدية حول القبّة واكتمل قلع جميع الصفائح الذهبية في جمادى الآخر عام 1436هـ/ نيسان عام 2015م, وابتدأ العمل بترميم القبة وتدعيمها بأحدث وسائل البناء الحديثة, ومن ثم اعادة تذهيب الصفائح الاصلية واعادتها لأماكنها على القبة. وفي يوم 17 ربيع الأول عام 1438هـ الموافق 17 كانون الأول عام 2016م الذي توافق مع ذكرى ولادة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلّم وولادة حفيده الامام جعفر الصادق عليه السلام, اكتمل العمل وأزيح الستار في احتفال بهيج عن القبّة المنورة لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام بعد إعادة تذهيبها.[٨١]

المنارتان والايوان الذهبي

   هما عمودا نور تقعان على جانبي الإيوان الذهبي من الجهة الشرقية للحرم العلوي المطهر. قالت الدكتورة سعاد ماهر في "مشهد النجف":(وتاريخ إنشاء المئذنتين وإن كان غير ثابت على وجه التحقيق، إلا أنهما من غير شك من الطراز الصفوي, أي أنهما يرجعان إلى عهد الشاه عباس، فهما من طراز البناء الأصلي للمشهد.[٨٢]

    وفي سنة 1853 م زار النجف الرحالة الانكليزي لوفتس، وقال في مذكراته ان أركاناً ثلاثة من أركان الصحن كانت تقوم فوقها مآذن ثلاث كُسيت الاثنتان الأماميتان منها بالآجر المغلف بالذهب الذي يكلف تذهيب الواحدة منه م بلغ تومان واحد، أو ما يعادل باونين استرلينيين. وهذه مع القبة كانت تؤلف منظراً فخماً يعجز عنه الوصف. وكانت القبة الكبرى المكسوة بالذهب وهي تتوهج في نور الشمس تبدو للرائي من بعيد وكأنها تل من الذهب يقوم من البراري الممتدة من حوله.[٨٣]

    وجاء في دليل العتبة العلوية المقدسة ما نصه: (تستند كل مئذنة على قاعدة ترتفع عن أرضية فناء الحرم بـ 2.4 م, والقاعدة متعددة الأضلاع مكسوة بالمرمر يبلغ قطرها 3م. يصل ارتفاع المئذنة الى 29م وهي على شكل أسطوانة يقل قطرها كلما ارتفعت, وفي ثلثها العلوي أحيطت المئذنتان بشريط عريض كُتب عليه آيات قرآنية بصفائح ذهبية على المينا الزرقاء, وفوق الشريط توجد مقرنصات ذهبية بارزة ومتدرجة ذات شكل غاية في التناسق والجمال, ثم تليها شرفة المؤذن التي يصل ارتفاعها الى 2.25م وقطرها عند قاعدتها 1.8م وقطرها من الأعلى 1.25م وفيها 12 نافذة مفتوحة على جميع الجهات, ويعلو شرفة المؤذن اسطوانة رفيعة يصل قطرها الى أكثر من متر واحد تقريباً ترتفع الى أربعة أمتار وتنتهي بقبة ذهبية مفصصة يعلوها عمود يتضمن كرتين معدنيتين مطليتين بالذهب, ويبلغ ارتفاع هذا العمود مع لفظ الجلالة 1.6م. وكل مئذنة من أعلى قاعدتها وحتى قمتها مغلفة بالصفائح المطلية بالذهب الخالص, ومعظم الاجزاء الذهبية ذات هيأة معينية طول ضلع الصفيحة الواحدة 19.5سم, وقد حصل حساب عدد الصفائح الذهبية للمنارة الجنوبية فكان حوالي 2000 صفيحة لكل منارة.[٨٤]

    ومن الجدير بالذكر انه قد نُقش على شريطي المنارتين آيات من سورة الجمعة, إذ كتب على شريط المنارة الشمالية المجاورة لمرقد العلامة الحلي: {قال الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ}. وكُتب على شريط المنارة الجنوبية المجاورة لمرقد المقدس الأردبيلي: {فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْلَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ}.

    كُسيت المنارتان بالذهب في عهد السلطان نادر شاه في عام 1156هـ/1743م, ويوجد فوق قاعدة كل منارة شريط من صفائح ذهبية مزخرفة نُقشت عليها أبيات شعرية تؤرخ لسنة إتمام التذهيب, وهذه الأبيات بالفارسية بالنسبة للمئذنة الشمالية, وبالعربية بالنسبة للمئذنة الجنوبية.

      وقد تم ترميم المنارتين مرات عدة بمرور الزمن بفعل التضعضع وسقوط بعض الصفائح الذهبية. وقد استعرض الشيخ جعفر محبوبة في "ماضي النجف وحاضرها" مجمل الاصلاحات التي طالت المنارتين فقال:(عقيب تذهيب "النادر" لهما حدث تضعضع وميل في بعض جوانبهما وسقط الصفيح الذهبي فأُصلح بأمر الحاج محمد حسين خان الأصفهاني وزير فتح علي شاه سنة 1236هـ كما ذكره البراقي. وأُصلحت المأذنة الجنوبية المجاورة لمرقد المقدس الأردبيلي سنة 1281هـ , قُلع ما عليها من الذهب وهُدمت الى الأرض وأُعيدت على ماهي عليه اليوم وكان ذلك بأمر السلطان عبدالعزيز خان العثماني كما ذكره السيد البراقي والسيد جعفر آل بحر العلوم في تحفة العالِم...... وأُصلحت المأذنة الشمالية المجاورة لمرقد العلامة الحلي سنة 1315هـ بأمر السلطان عبدالحميد خان العثماني, قُلع ما عليها من الذهب وهُدم نصفها وأُعيدت على ما هي عليه اليوم, وكان الإنتهاء من العمل في عاشر جمادى الثانية سنة 1316هـ. وفي أوائل سنة 1367ه ـقُلع الصفيح الذهبي منها أجمع وهُدم أعلاها وأُعيدت على حالتها السابقة وكان الفراغ من العمل آخر شهر رجب من تلك السنة. وفي شهر جمادى الأولى سنة 1352م قُلع الصفيح الذهبي عن المأذنة المجاورة لقبر المقدس الأردبيلي أجمع وهُدم أعلاها فقط وأُصلح وأُعيد إليها الصفيح الذهبي ونفقة العمل على الاوقاف).[٨٥]

الإيوان الذهبي

    يقع الإيوان الذهبي في الجهة الشرقية من الحرم العلوي المطهر وهو يمثل المدخل الرئيس للحرم ويبلغ عرضه 6.10م وارتفاعه 11م. أما منطقة فناء الحرم (الطارمة) فتقع بمحاذاة الإيوان الذهبي, وترتفع عن أرضية الصحن الشريف بمقدار20سم ويبلغ طولها 42م، وعرضها 7،50م، وهي مكسوة بالمرمر الأخضر.[٨٦]

     ويعد الإيوان آية في الصنعة والنقش ورائعة من روائع فن العمارة الإسلامية، ومن المعالم البارزة والجميلة في المرقد العلوي المطهر. وقد اكتمل تذهيبه ونقش زخارفه في عام 1156هـ/1743م مع تذهيب القبة والمنارتين في عهد السلطان نادر شاه الأفشاري. وتوجد تواريخ عدة منقوشة في أماكن متفرقة من جدران الإيوان ولا سيما ما كُتب على الشريط العريض الذي يقع في أعلى واجهة الإيوان الذهبي وفي نهاية القصائد الشعرية التي توثق عام إتمام التذهيب المذكور.

    وتتوزع على جانبي واجهات الإيوان الذهبي الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وقصائد شعرية باللغات العربية والفارسية والتركية. وتُشاهد هذه المدونات متداخلة مع الزخارف بشكل متناظر ومتقن يبهر الناظرين. وهنا يجب أن نذكر انَّ الشريط الكتابي الذي يمتد على طول الجدار الشرقي ويعلو الباب الذهبي قد تضمن قصيدة بالتركية للشاعر الميرزا عبدالرزاق التبريزي جهانشاهي المتخلص بـ (نشئه) وقد كُتبت بخط ذهبي بارز على المينا الزرقاء,  في حين كُتب في وسط الإيوان الذهبي على جانبي الباب قصيدة فارسية بحروف ذهبية بارزة للشاعر عرفي الشيرازي.

    قام النظام البعثي البائد في بداية الثمانينيات وبدافع طائفي وعنصري بقلع أغلب هذه المدونات وإبدالها بصفائح صقيلة خالية من أية كتابة. فضلاً عن ذلك فقد تضررت واجهة الإيوان الذهبي وأبوابه بفعل الأعمال العسكرية والقصف الهمجي الذي طال المرقد العلوي المقدس إبان الإنتفاضة الشعبانية في عام 1411هـ/1991م. وقد أُعيدت المدونات الى أماكنها الطبيعية من قبل الأمانة العامة للعتبة العلوية بعد سقوط النظام.

وجاء في كتاب "تاريخ تذهيب المرقد العلوي المطهر" للدكتور عبدالهادي الإبراهيمي ما نصه:(وبعد زوال سلطة النظام البعثي في عام 2003م تولت المرجعية الدينية الرشيدة في النجف الأشرف مهمة الإشراف على العتبات المقدسة، وأصدر مجلس إدارة العتبة العلوية المقدسة قراراً نصَّ على: ( إعادة كل ما رُفِع ورفع كل ما وُضِع في زمن النظام السابق ولأغراض سياسية بعيدة عن قدسية وتاريخ العتبة المقدسة وفي أي موقع منها), وبناءً على ذلك قام المتخصصون في مجال ترميم اللوحات والكتائب التاريخية من لجنة إعمار العتبات المقدسة في إيران بتجديد الكتائب التي تمت إزالتها وتخريبها في عهد النظام البائد, ومن حسن الحظ وبعناية إلهية عُثر على هذه المدوّنات وهي مرميّة في مخازن الحرم العلوي الشريف. وتم ترميم وتجديد الصفائح الذهبية المطعمة بالمينا الزرقاء الخاصة بشريط القبّة العلوية وأُعلن عن اكتمال العمل في 13 رجب 1430هـ الموافق 6 تموز 2009م. أما كتائب الإيوان الذهبي فقد تمت صيانتها وترميميها وطلائها وأُرجعت إلى أماكنها الأصلية ابتداء من سنة 2013م. ومن المناسب أن نذكر هنا قيام الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة بإنجاز صيانة وتذهيب أطواق المنارتين الشمالية والجنوبية في عام 1433هـ/2012م.[٨٧]

ومن الجدير بالذكر انه  تجري في الوقت الحاضر أعمال إعادة تذهيب الإيوان الشرقي وجوانبه والمنارتين ابتداءً من جهة اليسار بعد أن تم الانتهاء من تذهيب القبة العلوية المباركة.

    يؤطر الإيوان ظفيرة مذهبة جميلة, ويوجد في أعلاه مقرنصات كبيرة تتدرج نزولاً إلى الثلث العلوي منه. ويتوسط الإيوان الباب الذهبي الشهير الذي نُصب في عام 1373هـ/1954م بمساعي حجة الاسلام السيد محمد كلانتر رحمه الله وبإنفاق من ميرزا مهدي مقدم وأبناء اخيه الحاج كاظم أغا توكليان مقدم والحاج ميرزا عبدالله  مقدم. وقد تم تصميم هذا الباب في إيران بمهارة وإتقان من قبل أمهر الصاغة يومئذٍ وهم كل من الحاج محمد تقي الأصفهاني، والحاج سيد محمد العريضي الأصفهاني، ومحمد حسين برورش الأصفهاني, فيما تم انجاز الأعمال الخشبية للباب في العراق من قبل  السيد كريم المرعبي الحلي والحاج حسن اليزدي.[٨٨]

    ويعلو الباب الذهبي قوس هلالي كُتب في إطاره قصيدة رائعة للشيخ محمد علي اليعقوبي تُؤرّخ لنصب الباب في عام 1373هـ مطلعها:

    وبابٌ صِيغَ مِنْ ذهبٍ تجلى *** وَجلّلَ نورَ قدس ليسَ يطفى

    إلى أنْ يقول:

    ولا يبقى مع التاريخ (إلاّ *** عليُّ الدرِ والذهبِ المصفّى)

    ويوجد تاريخان آخران كُتبا على مصراعي الباب. إذ نُقش على إطار مصراع الباب الأيمن بحروف ذهبية بارزة قصيدة السيد محمد جمال الهاشمي وهي:

طأطِأ الرأسَ فهو بابُ الخلودِ *** واخْشِع الطرف فهو سرُّ الوجود

    إلى أن يقول مؤرّخاً:

ووفودُ الأملاك مذ أرّخته *** (لم تزل وُقّفاً ببابِ الخُلود)

أما إطار المصراع الأيسر للباب فقد تضمن قصيدة الشيخ عبدالحميد السماوي ومطلعها:

لمن الصروح بمجدها تزدان ***  وبباب من تزاحم التيجان

وأرّخ نصب الباب بقوله:

حسبي إلى عفو الإله ذريعة *** حرمٌ يؤرّخ (بابه الغفرانُ)

      وفضلاً عن الباب الذهبي, يوجد بابان ذهبيان صغيران يؤديان إلى الرواق الشرقي للحرم المطهر وهما باب العلاّمة الحلي من جهة اليمين وباب المقدس الأردبيلي من جهة اليسار. وقد سعى أيضاً العلامة السيد محمد كلانتر في إنشائهما ونصبهما في عام 1397هـ/1976م. فقد كُتب في أسفل المصراع الأيمن لباب العلامة الحلي ما نصه:(بسمه تعالى الحمد لله الذي أنعم عَليَّ ووفّق مسعاي في عمل هذين البابين الذهبيين لمرقد سيد الوصيين في أبدع صورة من حيث الفن والجمال, وأنفق على إنشائهما الموفق الحاج عبدالرسول الحاج محمد علي عجينة, فقد بذل من خالص ماله قربة لوجهه المقدس), فيما كُتب في أسفل المصراع الأيسر لهذا الباب ما نصه: (وإظهاراً لولائه الخالص لأئمة أهل البيت وتم صنعهما في مدينة أصفهان على يد أساتذة الفن في محرم 1397, وأنا الراجي شفاعة آبائي وأجدادي الطاهرين السيد محمد السيد سلطان السيد مصطفى الموسوي كلانتر عُفي عنهم).

    وكُتبت قصيدة الشاعر عبدالصاحب عمران الدجيلي على إطار كلا البابين. أما مطلع القصيدة في باب العلامة الحلي فهو:

يوم الغدير ما أجلّك مطلعا  ***  أشرقت لم يترك شعاعك موضعا

في حين تضمنت باب المقدس الأردبيلي تكملة أبيات القصيدة وكان الإبتداء بالبيت الآتي:

هذا إمام الأرض حقاً والسما  *** هذا إمام الدين والدنيا معا

ممزارات و مقابر

مقبرة وادي السلام

هي مقبرة قديمة ،بجوار قبر أمير المؤمنين

مقبرة نوح و آدم و صالح و هود

هو مقام يعتقد أن النبي نوح و صالج و هود مدفونون فيه.

مقامات الامام الصادق و الامام المهدي و الامام السجاد

و هو مقامات يعتقد أنهم عبدو و صلو فيه.

قبر السيد الخوئي

قبر بجوار الحرم فيه قبر السيد الخوئي.

مصدر رئيسي

الموقع الرسمي للعتبة العلوية

مصادر

  1. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام: 226.
  2. ماضي النجف وحاضرها: 39.
  3. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام: 226.
  4. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: 10.
  5. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام: 194.
  6. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام: 232.
  7. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: 1/ 27.
  8. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام: 273-274.
  9. مرقد وضريح أمير المؤمنين عليه السلام: 143-144.
  10. حياة الحيوان الكبرى: 2/ 177.
  11. مشهد الإمام علي في النجف: 133.
  12. مرقد وضريح أمير المؤمنين عليه السلام: 154-161.
  13. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام: 300-304.
  14. قطب الدائرة, الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: 47-48.
  15. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام: 304.
  16. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام: 297.
  17. مروج الذهب ومعادن الجوهر: 4/ 149.
  18. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام: 297.
  19. بحار الأنوار: 42/ 315.
  20. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام: 286.
  21. نزهة المشتاق في اختراق الآفاق: 1/ 381-382.
  22. مرقد وضريح أمير المؤمنين عليه السلام: 177-178.
  23. تاريخ النجف الأشرف: 2/ 88-89.
  24. حياة الحيوان الكبرى: 1/ 146.
  25. تاريخ النجف الأشرف: 2/ 91.
  26. تاريخ النجف الأشرف:2/ 93.
  27. رحلة ابن بطوطة: 176-177.
  28. اليتيمة الغروية والتحفة النجفية:401-402.
  29. ماضي النجف وحاضرها: 1/ 49.
  30. عنوان الشرف في وشي النجف:53.
  31. المفصل في تاريخ النجف الأشرف: 2/ 123-124.
  32. الكشكول:1/ 135.
  33. تاريخ النجف الأشرف:1/ 404.
  34. اليتيمة الغروية والتحفة النجفية:407.
  35. ديوان الحائري:
  36. دليل العتبة العلوية المقدسة: 133.
  37. ماضي النجف وحاضرها:1/ 66.
  38. ماضي النجف وحاضرها:1/ 66.
  39. يُنظر: طريق النور.. قصة الحاج محمد رشاد مرزه مع العتبات المقدسة:21.
  40. ذكريات الأحبة: 104.
  41. دليل العتبة العلوية المقدسة: 134.
  42. دليل العتبة العلوية المقدسة:112.
  43. مشهد الإمام علي في النجف: 170.
  44. الروضة الحيدرية في النجف الأشرف: 76.
  45. ماضي النجف وحاضرها:1/70.
  46. ماضي النجف وحاضرها:1/71.
  47. تاريخ النجف الاشرف: 1/432
  48. تاريخ العراق بين احتلالين: 3/316.
  49. ماضي النجف وحاضرها:2/328
  50. جريدة الهاتف: 22/5.
  51. المفصل في تاريخ النجف الاشرف: 2/65.
  52. دليل انجازات قسم الشؤون الهندسية والفنية: 44-46.
  53. دليل انجازات قسم الصيانة: 58.
  54. تاريخ النجف الأشرف: 1/435.
  55. ماضي النجف وحاضرها:1/75.
  56. اليتيمة الغروية والتحفة النجفية: 450.
  57. قلائد الدرر والمرجان: 242.
  58. مرقد وضريح أمير المؤمنين عليه السلام: 348.
  59. دليل انجازات قسم الصيانة: 162.  
  60. مجلة الولاية: 36/4.
  61. دليل الانجازات والمشاريع: 63.
  62. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام:300-304.
  63. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام:300.
  64. رحلة ابن بطوطة:177
  65. لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث:1/44
  66. ماضي النجف وحاضرها:1/74.
  67. تاريخ النجف الاشرف: 1/442.
  68. ديوان السيد صادق الفحام: 266.
  69. مشهد الإمام علي في النجف: 1/185.
  70. اعتمدنا في تثبيت القياسات على ما ذُكر في كتابَيْ "زاويتا الزوال والقبلة في العتبة العلوية المقدسة" و "دليل العتبة العلوية المقدسة".  
  71. أخرج مسلم في صحيحه3/ 1452ِ عن جابر بن سمرة, قال: (دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم, فسمعته يقول: ((إنَّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم إثنا عشر خليفة. قال: ثم تكلم بكلام خفي عليَّ, قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: قال: كلُّهم من قريش))).ومنها ما أخرجه القندوزي الحنفي في ينابيع المودة 3/ 295 عن عبدالله بن عباس (رضي الله عنه )قال: قال رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم): ((إنَّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي, الإثنا عشر, أولهم علي, وآخرهم ولدي المهدي)).
  72. دليل العتبة العلوية المقدسة:133.
  73. تاريخ تذهيب المرقد العلوي المطهر: مخطوط.
  74. وروى الحر العاملي في "الجواهر السنية في الأحاديث القدسية" 261حديث أم سلمة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:((لما أُسري بي إلى السماء نظرتُ فإذا مكتوب على العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعليّ ونصرته بعليّ, ورأيتُ أنواراً, نور علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي, ورأيت نور الحجة يتلألأ من بينهم كأنّه كوكب درّي, فقلتُ: يا رب من هذا ومن هؤلاء؟ فنوديتُ: يا محمدُ, هذا نورُ عليٍّ وفاطمةَ وهذا نورُ سِبطَيكَ الحَسنِ والحُسينِ وهذا نورُ الأئمةِ بَعدَكَ من وَلَدِ الحُسينِ مُطَهّرونَ مَعصومونَ, وهذا الحُجَّةُ الذي يَملأُ الدُّنيا قِسطاً وعَدْلاً)).
  75. ورد في "نهج البلاغة" في الخطبة الشّقشِقية: ((أمّا واللهِ لقد تقمصَّها فلانٌ وإنّهُ لَيعلَمُ أنَّ مَحلّي مِنها مَحلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحى, يَنحدِرُ عَنّي السَّيلُ, ولا يَرقى إليَّ الطَّيرُ)).     وقد أحسن الشاعر كاظم الأزري في قصيدته الهائية الشهيرة في مدحِ سيد الأوصياء عليه السلام إذ قال: لك نفس من جوهر اللطف صيغت *** جعل الله كل نفس فداها      هي قُطب المكوناتِ ولولاها  ***  لما دارت الرّحى لولاها .
  76. أخرج الترمذي في "السُنن" 5/ 328 عن عمر بن أبي سلمة, قال: (لمّا نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم: }إنّما يريدُ اللهُ ليُذهِبَ عنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكُمْ تَطهيراً{(الأحزاب/33) في بيت أمِّ سلمة؛ فدعا فاطمةَ وحسناً وحسيناً, فجلّلهم بكساء, وعليٌّ خلف ظهره, فجلّله بكساء، ثمَّ قال: ((اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي, فأذهِبْ عنهم الرجس, وطهِّرهم تطهيراً)), قالت أمُّ سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: ((أنتِ على مكانك, وأنتِ إلى خير))).
  77. مشاهدات نيبور في رحلته:80.  
  78. حديقة الزوراء: 1/ 69.
  79. تاريخ النجف الاشرف: 1/ 451.
  80. المفصل في تاريخ النجف الاشرف: 2/ 106.
  81. تاريخ تذهيب المرقد العلوي المطهر: مخطوط.
  82. مشهد الإمام علي في النجف: 170.
  83. موسوعة العتبات المقدسة, قسم النجف: 1/ 335.
  84. دليل العتبة العلوية المقدسة: 82.
  85. ماضي النجف وحاضرها:1/ 68-69.
  86. دليل العتبة العلوية المقدسة: 85.
  87. تاريخ تذهيب المرقد العلوي المطهر: مخطوط.
  88. مشهد الإمام: 1/ 204-205.