مسجد عرفة
مسجد عرفة، یعتبر مسجد عرفة من ابرز المعالم الاثرية في عرفات وكان منذ فترة طويلة مكانا لالقاء خطب الخطباء واقامة صلاتي الظهر والعصر في يوم عرفة [١]، هذا المسجد يقع على الجانب الغربي من ارض عرفات، وقد عرف المسجد عبر التاريخ باسم مسجد عرفة ومسجد الخليل ابراهيم عليه السلام او مسجد ابراهيم عليه السلام.
وفقا لبعض المصادر، يعود تاريخ بناء المسجد الى صدر الاسلام والقرن الاول الهجري القمري، لكن بعض المؤرخين يعتبرون زمن بناء المسجد يعود الى القرن الثاني الهجري وخلال العصر العباسي. ويختلف الفقهاء حول ما اذا كان مسجد عرفة جزءا منه محلا للوقوف وهل انه يقع في الحدود الشرعية لعرفات ام لا.
يعرف المسجد اليوم باسم "مسجد نمرة"، وخلال فترة حكم ال سعود شهد توسعة من حيث البناء بحيث بلغ مساحة المسجد نحو 110،000 متر مربع. ويضم مسجد عرفة حاليا اروقة متعددة و6 مآذن، تقع في شرق وغرب المسجد.
اسامي المسجد
وقد اشار المؤرخون القدماء، مثل محمد بن عبدالله الازرقي،الى هذا المسجد باسم مسجد عرفة [٢]. محمد بن احمد المقدسي اشار الى هذا المسجد باسم "المصلى".[٣]
في النصوص التاريخية القديمة التي تصف مكة المكرمة والمدينة المنورة تشير الى هذا المسجد باسم " شريعة ابراهيم عليه السلام " [٤] وفي سائر النصوص القديمة الاخرى تم تسميته بـ "مسجد إبراهيم (ع)" . [٥] وفي مذكرات سفر "ناصر خسرو " (سفر نامة ناصر خسرو) تم الاشارة الى ان هذا المسجد تم بناءه من قبل النبي ابراهيم عليه السلام.[٦]
ومع ذلك، يشير الازرقي الى وجود مسجد آخر يسمى ابراهيم (ع) على الجهة اليمنى من الموقف الى جانب مسجد عرفة الذي يقوم الإمام بالصلاة فيه.[٧]
خلفية البناء
هناك احتمالان بشان تاريخ بناء المسجد؛ بناء على وجهة نظرة فان مسجد عرفة تم بنائه في القرن الثاني الهجري خلال فترة المنصور العباسي ومن ثم كان دائما محط اهتمام المؤرخين وكتاب مذكرات الرحلات. ولكن من وجهة نظر اخرى، من المحتمل ان يكون المسجد مبنيا في صدرالاسلام وتم اعادة بناءه خلال عصر المنصور.
بناء على هذا الرأي، فقد تم بناء مسجد عرفة في الموقع الذي تم تحديد وتثبيت «منبر عرفة» في صدر الإسلام. وينقل محمد بن اسحاق الفاكهي بسنده ان النبي صلى الله عليه واله وسلم صعد المنبر في يوم عرفة وقام بجمع صلاتي الظهر والعصر هناك. [٨]
ويقول عمرو بن دينار (المتوفى 126 هـ)، انه حتى عهد ابن زبير كان المنبر مصنوعًا من احجار صغيرة بحيث قامت السيول بتدميره، وقام ابن زبير بنصب منبر جديد من الخشب هناك.[٩]
الا ان بعض المصادر نقلت عن ابن عبد البر (المتوفى عام 463 هـ) قوله ان المسجد بني بعد عشر سنوات من وصول بني هاشم (بني عباس) الى السلطة. فلذلك نظرا الى ان تاريخ بداية الخلافة العباسية كان في 132 هـ. فيجب ان يكون تاريخ بناء المسجد نحو عام 142 هـ .
الجدل بين الفقهاء بشان ان يكون محلا للوقوف
وقد اعتبرت بعض النصوص الدينية،ان منبر عرفة يقع على حدود محل الوقوف في عرفة وتم المنع من الوقوف فيه.[١٠] ونتيجة لهذه الاخبار، فان هناك جدل واختلاف في وجهات النظر بين فقهاء اهل السنة ايضا حول ان مسجد عرفة هل هو ضمن الوقوف ام لا.
واعتبر الشافعي هذا المسجد هو خارج من ارض عرفات الا ان محبّ الدين الطبري اعتبره ضمن ارض عرفات .[١١] كما اعتبر عدد من العلماء الشافعيين المعرفين مثل الجويني وابنه امام الحرمين والرافعي بان بداية هذا المسجد (من جهة القبلة) هو ضمن وادي عرنة، ونهايته ضمن عرفات، ووقفا لهذا الراي فان الوقوف في بداية المسجد يعد عملا غير صحيح؛ الا انه الوقوف في نهايته يعد عملا صحيحا. ان بعض الفقهاء الذين اعتبروا هذا المسجد خارج ارض عرفة قاموا بتسمية المسجد باسم مسجد عُرَنه.[١٢]
خصائص البناء
اعتبر الازرقي طول مسجد عرفة(من القبلة الى الجزء الخلفي للمسجد) 163 ذراعا وعرضه(بين جانبي الايمن والايسر للمسجد) 213 ذراعا. ووفقا له، فإن المسجد كان له 9 أبواب وفي اتجاه القبلة هناك باب ذات قبو وعلى كل من جانبيه الايمن والايسر أربعة ابواب وعلى الجزء الخلفي من المسجد. هناك منصة مربعة الشكل يبلغ ارتفاعها 8 اذرع ومساحتها 7 في 6 اذرع. وفي جهة قبلة المسجد كان هناك محراب على منصة يبلغ ارتفاعها ذراعين وكان الإمام وآخرون وسائر المصلين، يقيمون الصلاة في أسفله. [١٣]
في النصوص التي تصف مكة المكرمة والمدينة المنورة تم الاشارة فيها الى مبنى في الزاوية يبلغ طوله 170 وعرضه و150 ذراعا، بحيث تهدم او دمر غالبيته وبقي فقط جدار القبلة، وفي الجهة اليمنى وباتجاه من يستقبل القبلة هناك ثلاثة قبوات كمداخل للمبنى بحيث المحراب كان هناك ايضا.[١٤]
وفقا لمااورده ناصر خسرو [١٥] كان قد تبقى منبرا من الطين للمسجد في ذلك الزمان ويقول ابن جبير، [١٦] كان الجدار الوحيد المتبقي على جانب القبلة في زمنه .
إعادة إعمار المسجد
كانت مساحة المسجد في عهد المهدي العباسي حوالي 8000 متر مربع، وهذا يشير الى الاهمية التي يحظى بها المسجد لدى المسلمين في القرن الثاني الهجري. قام الوزير جمال الدين أصفهاني في عام 559 هـ باعادة بناءه وتم ازدياد مساحته الى نحو 14400 متر. يبدو ان المسجد في ذلك الوقت كان بدون سقف ورواق، في العهد العثماني تم بناءاروقة لهذاالمسجد .
كما اشار المؤرخ تقي الدين الفاسي (متوفى 832 هـ)الى ان المسجد كان في عصره (اوائل القرن التاسع) بدون رواق وكان من دون سقف بالكامل .[١٧] ولكن في عام 874 هـ، وفي عهد السلطان قايتباي المملوكي تم اعادة بناء هذا المسجد بشكل كبير بحيث قام ابن فهد المكي (المتوفى عام 885 هـ) بشرح واف لهذه الاجراءات المتخذة ووصف الهندسة المعمارية للمسجد بعد اعادة الإعمار.
وفقا لابن فهد، تم انشاء رواقين كبيرين في اتجاه القبلة لايجاد مظلة للحجاج، هذه الاروقة لها 50 عمودا مربعا مع 83 قبوات من فوقها واعمدة خشبية فوق القبوات، وفي وسط المسجد كان هناك منصة باربع اعمدة مربعة الشكل.[١٨]
الوضع الحالي
مسجد عرفة او نمرة
يُعرف مسجد عرفة اليوم باسم مسجد نمرة، وقد عرف بهذا الاسم منذ القرن العاشر الهجري على الاقل.[١٩]
وقد وصف رفعت باشا في اواخر العهد العثماني ،هذا المسجد بالمسجد الكبير الذي بيلغ طوله 90 ذراعا و عرضه 80 ذراعا مع اروقة تقع حوله وله محراب يبلغ ارتفاعه 3 امتار و عرض 5/1 متر وعمق 1 متر ومنبرا بعشرة سلالم وبارتفاع 5/1 مترا. [٢٠]
شهد مسجد نمرة خلال حكم ال سعود توسعة كبيرة. يبلغ طول المبنى الجديد للمسجد (من الشرق الى الغرب) 340 مترا وعرضه (من الشمال الى الجنوب) 240 مترا ومساحته اكثر من 110،000 متر مربع ويسع لنحو 350،000 مصل. هناك أيضًا أرض مساحتها 8000 متر مربع خلف المسجد والتي تم بناء مظلة لها. يوجد 10 مداخل رئيسية حول المسجد، لكل منها عدة أبواب، ويبلغ إجمالي عدد ابواب المسجد 54. بابا. يوجد على سطح المسجد بموازاة جانب القبلة (الغربية) للمسجد، ثلاث قباب، وفي الجوانب الأربعة للمسجد توجد ستة مآذن بارتفاع 60 مترا، وعلى كل منها على الجانبين الغربي والشرقي، مئذنتان، وفي كل من الجانبين الشمالي والجنوبي لها هناك مئذنة واحدة .
الهوامش
- ↑ رحلة ابن جبیر، ابن جبیر، محمد بن احمد، ص152.
- ↑ اخبار مکة وما جاء فیها من الآثار، ازرقي، محمد بن عبدالله، 1403ق، ج2، ص187؛ کتاب المناسك واماکن طرق الحجّ ومعالم الجزیره، حربي، ابواسحاق، 1401ق، ص509.
- ↑ احسن التقاسیم في معرفة الاقالیم، مقدسي، محمد بن احمد، 1906م، ص77.
- ↑ «رسالة فی وصف مکة والمدینة و بیت المقدس»، صص349-348.
- ↑ الاعلاق النفیسة، ابن رسته، احمد بن عمر، 1891م، ص57 ؛ لطائف الاذکار للحُضّار والسُفّار، ابن مازه، محمد بن عمر، 1392ش، تصحیح: رسول جعفریان، ص198؛ رحله ابن جبیر، ابن جبیر، محمد بن احمد، ص152؛ العبدری، ص387.
- ↑ سفرنامة، ناصرخسرو، 1389ش، ص139.
- ↑ اخبار مکة وما جاء فیها من الآثار، ازرقي، محمدبن عبدالله، 1403ق، ج2، ص202؛ کتاب المناسك واماکن طرق الحجّ ومعالم الجزیرة، حربي، ابواسحاق، 1401ق، تحقیق: حمد الجاسر، ص510.
- ↑ اخبار مکة في قدیم الدهر وحدیثه، فاکهي، محمد بن اسحاق، 1407ق، ج5 ، ص34.
- ↑ اخبار مکة في قدیم الدهر وحدیثه، فاکهي، محمد بن اسحاق، 1407ق، ج5، ص34؛اخبار مکة وما جاء فیها من الآثار، ازرقي، محمد بن عبدالله، 1403ق، ج2، ص195.
- ↑ اخبار مکة في قدیم الدهر وحدیثه، فاکهي، محمد بن اسحاق، 1407ق، ج5، صص35-34.
- ↑ شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، فاسي، محمد بن احمد، 1999م، ج1، ص565.
- ↑ شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، فاسي، محمد بن احمد، 1999م، ج1، صص568-565.
- ↑ اخبار مکة وما جاء فیها من الآثار، ازرقي، محمدبن عبدالله، 1403ق، ج2، صص188-187؛ کتاب المناسك واماکن طرق الحجّ ومعالم الجزیرة حربي،ابواسحاق، 1401ق، صص510-509.
- ↑ «رسالة في وصف مکة والمدینة و بیت المقدس»، ص 349.
- ↑ سفرنامه، ناصرخسرو، 1389ش، ص138.
- ↑ رحلة ابن جبیر، ابن جبیر، محمد بن احمد، ص152.
- ↑ شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، فاسي، محمد بن احمد، 1999م، ج1، ص567.
- ↑ اِتحاف الوری باخبار اُمّ القری، ابن فهد، عمر بن محمد، ج4، صص514-513.
- ↑ فتوح الحرمین، محیی لاري، 1373، ص64 ؛ الرحلة السامیة الی الاسکندریة ومصر والحجاز والبلاد الشامیة، َکتّاني، محمد بن جعفر، 1426ق، ص184.
- ↑ مرآه الحرمین، رفعت پاشا، ابراهیم، 1344ق، ج1، ص336.
المنابع
- احسن التقاسیم في معرفة الاقالیم، مقدسي، محمد بن احمد، 1906م، لیدن: بریل.
- الاعلاق النفیسة، ابن رسته، احمد بن عمر، 1891م، لیدن، بریل.
- اخبار مکة في قدیم الدهر وحدیثه، فاکهي، محمد بن اسحاق، 1407ق/ 1987م، تحقیق عبدالملك بن عبدالله بن دهیش، مکة المکرمة: مکتبة ومطبعة النهضة الحدیثة، الطبعة الاولی.
- اخبار مکة وما جاء فیها من الآثار، ازرقي، محمدبن عبدالله، 1403ق/1983م، تحقیق: رُشدي الصالح ملحس، مکة المکرمة، مطابع دار الثقافة، الطبعة الرابعة.
- سفرنامه، ناصرخسرو، 1389ش، تصحیح: محمد دبیر سیاقي، طهران، زوّار، الطبعة العاشرة.
- رحلة ابن جبیر، ابن جبیر، محمد بن احمد، بیروت: دار صادر.
- شفاء الغرام باخبار البلد الحرام، فاسي، محمد بن احمد، 1999م، تحقیق: ایمن فؤاد سید و مصطفی محمد الذهبي، مکة: مکتبة النهضة الحدیثة، الطبعة الثانیة.
- اِتحاف الوری باخبار اُمّ القری، ابن فهد، عمر بن محمد، تحقیق: فهیم محمد شلتوت، القاهرة، مکتبة الخانجي.
- فتوح الحرمین، محیی لاري، 1373، تصحیح: رسول جعفریان، قم، انصاریان، الطبعة الاولی.
- مرآه الحرمین، رفعت پاشا، ابراهیم، 1344ق/ 1925م، القاهرة: مطبعة دار الکتب المصریة، الطبعة الاولی.