حليمة السعدية، امرأة من قبيلة بني سعد، هي مرضعة وأم رضاعة محمد صلى الله عليه وسلم. رُوي أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم نشأ منذ ولادته وحتى سن السادسة أو السابعة عند حليمة. وُصفت حليمة بأنها امرأة فاضلة، وقد اعتُبر إرضاع النبي صلى الله عليه وسلم لها نتيجةً لفضل الله واستحقاقها لهذه المهمة.

بعد انتهاء فترة الرضاعة، أحضرت حليمة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، لكن والدته آمنة سمحت لها بإعادة الطفل إلى الصحراء لتستمر في رعايته حتى سن السادسة أو السابعة.

تتفق المصادر على أن حليمة اعتنقت الإسلام. وقد رُويت عدة قصص عن احترام النبي صلى الله عليه وسلم لحليمة في سنوات ما بعد البعثة. ولا يُعرف تاريخ وفاتها بدقة. ووفقًا للرواية المشهورة، دُفنت حليمة في مقبرة البقيع قرب قبر عثمان بن عفان في نهاية المقبرة.

الحياة والعائلة

حليمة، ابنة أبذوذئب عبد الله بن حارث، من بني سعد، إحدى فروع قبيلة هوازن.[١] نسبها مشترك مع نسب محمد صلى الله عليه وسلم في «مضر»، الجد السابع عشر للنبي.[٢] زوجها هو أبو كبشة حارث بن عبد العُزي، ويُقال إن قريش كانوا يلقبون النبي صلى الله عليه وسلم بـ "ابن أبي كبشة" لهذا السبب.[٣]

أنجبت حليمة من زوجها حارث أبناءً: عبد الله، أنيسة وحذافة (شيماء).[٤] شيماء أسرت أثناء حرب هوازن (السنة الثامنة) أو بعد ذلك أثناء حصار الطائف، وقد أطلق النبي صلى الله عليه وسلم سراحها بعد أن قدمت نفسها.[٥]

مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم

في سنة كان فيها جوع شديد بين بني سعد، ذهبت حليمة مع تسع نساء من القبيلة إلى مكة لكسب الرزق بإرضاع أطفال قبائل مكة الأغنياء. وذكر أن النساء رفضن إرضاع النبي صلى الله عليه وسلم خوفًا من عدم الحصول على أجر مناسب.[٦] وأشارت بعض الروايات أن الطفل لم يرضع إلا من حليمة.[٧] فاختيرت حليمة مرضعة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام قليلة من الرضاعة من ثوبية (جارية أبي لهب).[٨] واعتبرت المراجع تراجم حليمة فاضلة، واعتبر اختيارها لإرضاع النبي صلى الله عليه وسلم من فضل الله واستحقاقها.[٩]

بعد انتهاء فترة الرضاعة، أعادت حليمة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة إلى والدته، لكن آمنة، بسبب مرض الكوليرا والخوف على صحة ابنها، سمحت لها بإعادة الطفل إلى الصحراء حتى سن السادسة أو السابعة.[١٠]

رضعت حليمة أيضًا أبو سفيان بن حارث بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، ليصبح أخًا رضاعيًا للنبي. كما كانت مرضعة حمزة بن عبد المطلب امرأة من بني سعد قدمت النبي صلى الله عليه وسلم أثناء تواجدها في منزل حليمة.[١١]

احترام النبي صلى الله عليه وسلم لحليمة

تذكر المصادر التاريخية عدة زيارات لحليمة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد البعثة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمها في كل زيارة. وفقًا لرواية، عندما أتت حليمة إلى مكة واشتكت من الجفاف، قدمت خديجة أربعين شاة وجملًا لها.[١٢] وفي رواية أخرى، حضرت حليمة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين (السنة الثامنة)، فقام النبي صلى الله عليه وسلم لها وفرش ردائه لتجلس عليها.[١٣] كما ذُكر أن سبب إطلاق سراح أسرى هوازن كان بسبب شيماء، ابنة حليمة وأخت النبي صلى الله عليه وسلم الرضاعية.[١٤]

اعتناق الإسلام

تاريخ اعتناق حليمة للإسلام غير محدد، لكن أغلب المصادر تؤكد إسلامها.[١٥] وذهب بعض السيرة إلى أنها اعتنقت الإسلام بعد ظهوره مع زوجها وأولادها.[١٦]

راوٍ لأحداث طفولة النبي صلى الله عليه وسلم

حليمة هي الراوية الرئيسة لأحداث الطفولة والنشأة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد رواها كثيرًا عبد الله بن جعفر.[١٧] ومن الروايات المشهورة عن حليمة قصة شق الصدر حيث شقّت الملائكة صدر النبي صلى الله عليه وسلم واغتسل قلبه.[١٨] وقد تعرضت بعض هذه الروايات للنقد.[١٩]

الوفاة والقبر

تاريخ وفاة حليمة غير معروف بدقة. وذكرت بعض الروايات أنها توفيت قبل فتح مكة[٢٠] وقالت روايات أخرى أنها عاشت حتى عهد عمر بن الخطاب، الخليفة الثاني، وكانت محل احترام ودعم من الخلفاء الأولين.[٢١]

ذكر الرحالة في عصر القاجار (القرن الرابع عشر الهجري) والمصادر الحديثة قبر حليمة في شمال شرق البقيع، وكان معروفًا وله قبة قبل هدم البقيع، وكانت هناك أبيات شعرية على مدخله تدل على بناء القبة في عهد الدولة العثمانية.[٢٢] وذكرت بعض المصادر قبرًا منسوبًا لها في البصرة بالعراق.[٢٣]

الهوامش

  1. انساب الاشراف، ج۱، ص۹۳؛ السيرة النبوية، ابن هشام، ج۱، ص۱۶۰؛ الطبقات الكبرى، ج۱، ص۸۹؛ الاستيعاب فی معرفة الأصحاب، ج۴، ص۱۸۱۳.
  2. المعجم الكبير، ج۱۹، ص۲۴۵؛ دلائل النبوة، ج۱، ص۱۷۷.
  3. انساب الاشراف، ج1، ص91؛ فتح الباري، ج1، ص37.
  4. عون المعبود، ج۱۴، ص۳۷–۳۸؛ المعجم الكبير، ج۲۴، ص۳۱۹؛ أسد الغابة، ج۶، ص۴۷.
  5. تاريخ ابن خلدون، ج۲، ص۳۶۹؛ السيرة النبوية، ابن كثير، ج۳، ص۶۸۹.
  6. السيرة النبوية، ابن كثير، ج۱، ص۲۲۶؛ الكامل في التاريخ، ج۱، ص۴۶۰–۴۶۱.
  7. السيرة الحلبية، ج۱، ص۱۴۵–۱۴۶.
  8. البدء والتاريخ، ج۵، ص۸؛ البداية والنهاية، ج۲، ص۲۷۲.
  9. أسد الغابة، ج۶، ص۶۸؛ الإصابة في تمييز الصحابة، ج۸، ص۸۷–۸۸.
  10. مروج الذهب، ج۱، ص۲۷۵; البدء والتاريخ، ج۴، ص۱۳۳.
  11. المستدرك على الصحيحين، ج۳، ص۲۵۴؛ عمدة القاري، ج۱۴، ص۱۵۷؛ إمتاع الأسماع، ج۱، ص۱۲؛ زاد المعاد، ج۱، ص۸۱؛ إمتاع الأسماع، ج۱، ص۱۱.
  12. البدر المنير، ج۸، ص۲۸۳؛ مجمع الزوائد، ص۲۱۸.
  13. الاستيعاب، ج۴، ص۱۸۱۳؛ المستدرك على الصحيحين، ج۴، ص۱۸۱.
  14. التنبيه والإشراف، ص۱۹۷.
  15. البدء والتاريخ، ج۵، ص۸؛ عيون الأثر، ج۱، ص۴۵؛ السيرة الحلبية، ج۱، ص۱۴۴–۱۴۵.
  16. سبل الهدى والرشاد، ج۱، ص۳۸۳؛ روح البيان، ج۹، ص۲۶۵.
  17. أسد الغابة، ج۶، ص۶۹؛ الإصابة، ج۸، ص۸۸؛ السيرة الحلبية، ج۱، ص۱۷۰.
  18. تاريخ الطبري، ج۲، ص۱۶۲؛ فتح الباري، ج۱، ص۳۸۹؛ دلائل النبوة، ج۱، ص۱۳۶.
  19. مفاتيح الغيب، ج۳۲، ص۲۰۵.
  20. انساب الاشراف، ج۱، ص۹۵.
  21. الطبقات الكبرى، ج۱، ص۹۲.
  22. سفرنامه ميرزا محمدحسین فراهاني، ص۲۳۲؛ سفرنامه نايب الصدر شيرازي، ص۲۳۰؛ موسوعة العتبات المقدسة، ج۳، ص۲۸۲؛ تاريخ حرم أئمة البقيع، ص۲۷۷.
  23. رحلة ابن بطوطة، ج۴، ص۱۷۴.

المصادر

  • آثار إسلامي مكة ومدينة، جعفریان، رسول، طهران، مشعر، 1390ش.
  • «إصلاحات عمر بن عبد العزیز وتأثیر آن بر وضعیت شیعیان»، أمیني، فاطمة، وسجاد دادفر، مجلة شیعة پژوهي، رقم 23، 1401ش.
  • المدينة المنورة تطورها العمراني وتراثها في المعماري،‌ صالح لمعي مصطفی، دار النهضة العربیة، بیروت، 1981م.
  • بامداد إسلام، زرین‌كوب، عبدالحسین، طهران، أمیر كبیر، 1392ش.
  • تاریخ الأمم والملوك، الطبري، محمد بن جریر، بیروت، مطبعة المرتضویة، (د.ت).
  • تاریخ تحلیلي إسلام، شهیدي، السید جعفر، طهران، علمي وفرهنگي ومركز نشر دانشگاهي، 1392ش.
  • تاریخ خلفا از رحلت پیامبر تا زوال أمويان، جعفریان، رسول، قم، دلیل ما، 1394ش.
  • تاريخ الخلفاء، السیوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، بیروت، دار صادر، 1417هـ.
  • تاریخ وآثار إسلامي مكة مكرمة ومدینة منورة، قائدان، أصغر، طهران، مشعر، 1386ش.
  • تاریخ اليعقوبي، اليعقوبي، أحمد بن إسحاق، بیروت، دار صادر، (د.ت).
  • تذكرة الحفاظ، الذهبي، محمد بن أحمد، بیروت، دار الكتب العلمية، (د.ت).
  • سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز، ابن‌ الجوزي، عبد الرحمن بن علي، بیروت، دار الكتب العلمية، 1404هـ.
  • الطبقات الكبرى، ابن سعد، محمد بن سعد، بیروت، دار الكتب العلمیة، 1410هـ.
  • فتوح البلدان، البلاذري، أحمد بن یحیی، بیروت، مؤسسة المعارف، 1407هـ.
  • مروج الذهب ومعادن الجوهر، المسعودي، علي بن الحسین، قم، مؤسسة دار الهجرة، 1409هـ.
  • وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، السمهودي، علي بن عبد الله، تحقیق قاسم السامرائي، لندن، مؤسسة الفرقان، 2001م.