أسواق جزیرة العرب

من ويكي‌حج

اهتمام العرب بالتجارة

تقع جزیرة العرب بین بلاد الفارس والروم والإفريقية والبحر الهندي الذي یربطها إلی بلاد الهند؛ هذا الموقع الجغرافي أدّی إلی تشکیل طرق تجارية تواصل بین هذه البلاد في الجزیرة العربية وکانت التجار من البلاد المختلفة تأتي إلی أسواق جزيرة العرب لبیع وشراء بضائعهم. فکان من المعقول للعرب، رجالا ونساءا، أن یکونوا منتفعين من التجارة إما مباشرة بممارسة التجارة أنفسهم أو بالواسطة بالعمل في القوافل وعرض الخدمات.

سوق مجنة

مجنّة موضع وقیل بلد قرب مکة علی أمیال منها، تقع بمر الظهران، قرب جبل یقال له الأصفر وهو أسفل مکة علی قدر برید منها، میمها بالفتح وتکسر (١۵) . والظاهر أنها من المواطن التی لا ینساها أهل مکة لبعض جمال فیها ولأنها ذات میاه، فقد جاء فی کتب السیرة: أن بلالاً لما هاجر إلی المدینة واصیب بالحمی، تشوّق إلی مکة ومواطنها وتغنّی بقوله: -

ألا لیت شعری هل أبیتنّ لیلةً

هذه السوق لکنانة وأرضها من أرض کنانة، تقوم فی الشعر الأواخر من ذی القعدة ویقصدها العرب بقضهم و قضیضهم بعد أن تنقض سوق عکاظ، یتممّون فیها ما قصدوا له من تجارة وفداء وتفاخر. . . . . علی شبه التفصیل المتقدم فی عکاظ، ویجلب إلیها ما یجلب إلی تلک من متاع وعروض، ولم تکن الخمرة لتقل فیها شأناً عن بقیة الأسواق فقد کانت تحمل إلیها مِن معادنها من الشام، ومن بصری وغزة حتی صار یشید بذکرها الشعراء، قال أبو ذؤیب الهذلی:

سلافة راح ضمنتها إداوةمقیّرة رِدف لمؤخرة الرحل تزودها من أهل بُصری وغزةٍ

ومجنة وعکاظ وذو المجاز تستوی فی نظر المحرمین من العرب وتتمتع منهم جمیعاً باحترام واحد حتی إن بعظهم لا یردها إلا محرماً.

قال الأزرقی:

"کانت قریش وغیرها من العرب تقول: "لا تحضروا سوق عکاظ ومجنة وذی المجاز إلا محرمین بالحج، وکانوا یعظّمون أن یأتوا شیئاً من المحارم أو یعدو بعضهم علی بعض فی الأشهر الحرم وفی الحرم" (١٧) .

ومجنة - وإن قرنت فی أغلب الأحیان مع عکاظ وذی المجاز - دون هاتین السوقین شأناً حتی إن المرزوقی لم یذکرها مستقلة کما ذکر غیرها بل أکفی بقوله: " وزاد بعضهم فی الأسواق المجنة وهو قریب من ذی المجاز".

سوق ذی المجاز

هم فی تحدیدها قولان:

الأول: أنها علی فرسخ من عرفة بناحیة کبکب، وکبکب جبل بعرفات خلف ظهر الإِمام إذا وقف. ذکره یاقوت وغیره وهو أحد قولین نقلهما الزبیدی.

والثانی: أنها موضع بمنی، ومنی بین مکة وعرفات فی نصف الطریق تقریباً، والذین نقلوا الأول أکثر عدداً وإن کان القول الثانی أدنی إلی القبول. وسمّی ذا المجاز لأن إجازة الحاج کانت منه، ولعل السوق أحیاناً تمتد، أو ینتقل الناس فیها: یقتربون ویتعدون حتی تشتغل هذه المسافة.

وذو المجاز من دیار هذیل، هم أهلها وجیرانها الأدنون.

یکثر ورود ذی المجاز فی شعر العرب ولاسیما شعراء هذیل، لأنها من اسواقهم الکبری، ومن المواسم أیضاً، قال أبو ذؤیب الهذلی:

وراج بها من ذی المجاز عشیةیبادر أولی السابقات إلی الحبل

وقال اللیثی:

للغانیات بذی المجاز رسومفی بطن مکة عهدهن قدیم

أما التی ذکرها الحارث بن حلّزة فی معلقته:

واذکروا حلف ذی المجاز وما قدم فیه العهود والکفلاء

فالغالب أنها التی فی شمال الجزیرة، لأن مقام قبیلته والأحداث بینها وبین غیرها کانت هناک.

١١٧إذا انقشع الناس عن مجنّة حین یهّل ذو الحجة، ساروا بأجمعهم إلی هذه السوق، وأقاموا بها حتی الیوم الثامن من ذی الحجة، وهو یوم الترویة، سمی بذلک لأنهم کانوا یرتوون فیه من الماء ویملؤون أوعیتهم لما بعده إذ لاماء بعرفه. وإلی هذه السوق تتقاطر وفود الحجاج من سائر العرب ممن شهد الأسواق قبلها، أو لم یشهدها وأتی للحج خاصة، إذ إنّ ذا المجاز من مواسم الحج عندهم.

تحفل ذو المجاز لوقوعها أیام الحج بجموع العرب وتجارتهم وأشرافهم، وهی تلی عکاظ فی الشأن، ویجری فیها ما یجری فی هذه من تبایع وتناشد وتفاخر وفداء أسری وطلب ثأر. . . إلی آخره، یقصدها صاحب الثأر لیعرف فیها واتره، فیتربص به بعد انقضاء الشهر الحرام إن کان من المحرمین وإلا عاجله فأخذ بثأره وإلیک بعض أحداثها:

روی الأصفهانی: "أن قیس بن الخطیم لم یزل یلتمس غرة من قاتل أبیه وجده فی المواسم حتی ظفر بقاتل جده بذی المجاز، فلما أصابه وجده فی رکب عظیم من قومه، ولم یکن معه إلاّ رهط من الأوس، فخرج حتی أتی حذیفة بن بدر الفزاری فاستنجده فلم ینجده، فأتی خداش بن زهیر فنهض معه ببنی عامر حتی أتوا قاتل عدی (جد القیس) فإذا هو واقف علی راحته فی السوق، فطعنه قیس بحربة فقتله ثم استمر. فأراده رهط الرجل فحالت بنو عامر دونه. . . إلی آخره".

ویروی الجاحظ أن حالف ابو الأزیهر الدوسی وکان عظیم الشأن فی الأزد أبا سفیان بن حرب عظیم بنی أمیة، وکان بین أبی الأزیهر هذا وبنی الولید بن المغیرة محاکمة فی مصاهرة. فإن أبا الأزیهر لقاعد فی مقعد أبی سفیان بسوق ذی المجاز إذ جاء هشام بن الولید فضرب عنقه فی مقعده ذاک بذی المجاز وانتظر الناس أن یأخذ ابو سفیان بثأر حلیفه من هشام فلم یفعل ولم یدرک به عقلاً ولا قوداً من بنی المغیرة، وتحدث بذلک أهل السوق من قبائل العرب وراجت فی الناس حتی عیروا بها أبا سفیان وحتی قال حسان بن ثابت فیها:

غدا أهل حضنی ذی المجاز بسحرة

هذه الأسواق الثلاث: عکاظ ومجنّة وذو المجاز التی کانت تقوم فی أیام الحج ویؤمها العرب قاطبة من کل حدب وصوب، شهدت إلی جانب مناظر البیع والشراء، والمفاخرة والانشاد، مشهداً من أفظع مشاهد الجفاء .