الفرق بين المراجعتين لصفحة: «العلم في المدينة»
Hosainahmadi (نقاش | مساهمات) |
Hosainahmadi (نقاش | مساهمات) لا ملخص تعديل |
||
(٤ مراجعات متوسطة بواسطة نفس المستخدم غير معروضة) | |||
سطر ١: | سطر ١: | ||
بدأ '''العلم في المدينة''' بهجرة [[رسول الله]] إلیه وتعليمه في مسجده وتابعه [[الإمام علي]] بتأسيس بعض العلوم والتدريس. خلّفه [[الإمام الحسن]] [[الإمام الحسين|والإمام الحسين]] في التعليم وصار [[الإمام السجاد]] المرجع العلمي في مدرسة [[المدينة]] یصاحبه طلاب العلم إلی [[مکة]] فيتعلّمون منه تفسير [[القرآن]]. في زمن [[الإمام الباقر]] [[الإمام الصادق|والإمام الصادق]]، دخلت مدرسة المدينة فترة الإزدهار وازدحمت حلقاتهما العلمية في [[مسجد النبي]] وخرج من محضرهما کثير من التلاميذ. تضيقت الظروف للأئمة بعد الإمام الصادق فکانوا في حبس ولم یقدروا علی البقاء في المدينة وواصلوا الإتباط مع تلاميذهم عبر مراسلات. انتقلت المرکزية العلمية بعد [[الإمام الهادي]] إلی مدن أخری. | |||
==العلم في زمن النبي == | ==العلم في زمن النبي == | ||
عندما کان النبي ساکنا بمکة بعد، أجمع بعض أصحابه في دار الأرقم بن أبي الأرقم وأهّلهم بشکل سرّي بتعليم بعض العلوم واستمرّت هذه الدار تستقبل المومنین الجدد لیتعلموا فيها تعاليم الإسلام | عندما کان [[النبي]] ساکنا [[بمکة]] بعد، أجمع بعض أصحابه في دار [[الأرقم بن أبي الأرقم]] وأهّلهم بشکل سرّي بتعليم بعض العلوم واستمرّت هذه الدار تستقبل المومنین الجدد لیتعلموا فيها تعاليم [[الإسلام]]<ref>السيرة النبوية، ابن هشام، ج1: ص270 . </ref> وبعدما انطلقت الدعوة إلي المرحلة العلنية، ضاقت [[دار الأرقم]] وأراد الرسول أن یتّخذ [[المسجد الحرام]] موضعا للتعليم ولکن احتدم الصراع بين المسلمين والمشرکين واضطرّ النبي أن یخرج من مکة إلی [[المدينة]].<ref>السيرة النبوية، ابن هشام، ج1 : ص 342 .</ref> هناك دخلت [[العلوم الإسلامية]] مرحلة جديدة. بنی الرسول [[المسجد النبوي]] في المدينة الذي صار مرکزا فاعلا في حياة الجماعة المسلمة أجريت فیه عبادة الله مضافا علی الوعظ والتدريس. کان مسجد النبي حینئذ مدرسة والکتاب الذي کان محور الدراسة فيها هو القرآن والمعلم الأول هو رسول الله وتلامذه هم [[الصحابة]]. | ||
==مدرسة المدينة في زمن الإمام علي== | ==مدرسة المدينة في زمن الإمام علي== | ||
بعد وفاة النبي کانت التراث الإسلامية قد فاضت من الحجاز إلی باقي الأمصار وکان المسجد النبوي هو المرکز العلمي الأهم الذي عقدت فیه الحلقات الدراسية. بقي الإمام علي بعد وفاة الرسول نحو ثلاثين سنة ونظرا إلی قرابتهما وأنّ الإمام علي کان قد تعلّم من الرسول مسائل الإسلام وقد کتب القرآن کلّما نزلت آية علی رسول الله وقد فهم تأويل القرآن وتفسیره، صار مرجعا للأسئلة حول علوم الدين وتفسیر القرآن بعده. | بعد وفاة النبي کانت التراث الإسلامية قد فاضت من [[الحجاز]] إلی باقي الأمصار وکان [[المسجد النبوي]] هو المرکز العلمي الأهم الذي عقدت فیه الحلقات الدراسية. بقي [[الإمام علي]] بعد وفاة الرسول نحو ثلاثين سنة ونظرا إلی قرابتهما وأنّ الإمام علي کان قد تعلّم من [[الرسول]] مسائل الإسلام وقد کتب [[القرآن]] کلّما نزلت آية علی رسول الله وقد فهم تأويل القرآن وتفسیره، صار مرجعا للأسئلة حول علوم الدين [[تفسیر القرآن|وتفسیر القرآن]] بعده.<ref>الخصال، الشيخ الصدوق، ص 451 .</ref> هذا المرجعية العلمية کان رغما من إقصائه عن المسرح السياسي في حياة الخلفاء الثلاث. | ||
وردت في الأخبار أنه علّم في مجلس واحد في المسجد النبوي، أربعمائة باب مما یصلح للمسلم في دینه ودنیاه.<ref>الخصال، الشيخ الصدوق، ص 610 . | |||
</ref> وإليه ینتهی تأسیس جملة من العلوم الإسلامية ففرّع علم تفسير القرآن من الإمام علي عبر تلميذه [[ابن عباس]] وبدأ [[علم النحو]] والعربية من عنده وأملاه علی [[أبي الأسود الدؤلي]].<ref>شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج1 : ص19 - 20 .</ref> | |||
==مدرسة المدينة في النمائة== | ==مدرسة المدينة في النمائة== | ||
بعد هجرة الإمام علي إلی الکوفة عام 35 هـ. ثم استشهاده في مسجد | بعد هجرة [[الإمام علي]] إلی [[الکوفة]] عام 35 هـ. ثم استشهاده في [[مسجد الکوفة]]، واصل الحسنان رعاية مدرسة [[المدينة]] والتف حولهما نخبة من تلامذة أميرالمؤمنین فذاع نبأ هذه الحلقات فکان الحسن یجلس في مسجد [[رسول الله]] ویجتمع الناس حوله ونالت حلقة [[الإمام الحسن]] اهتمام القادمين إلی المدينة وتميزت علی ماسواها من الحلقات في المسجد.<ref>کشف الغمة في معرفة الأئمة، علي بن عیسی الأربلي، ج2 : ص169.</ref> أما حلقة [[الإمام الحسين]] في المسجد النبوي فقد اشتهرت حتی اضطر [[معاوية]] للاعتراف بفضل ما يعلّم الإمام الحسين.<ref>ترجمة الإمام الحسین من تاريخ مدينة دمشق، شيخ محمدرضا جعفري: ص 225 . </ref> | ||
بعد الإمام الحسين انبری ولده [[الإمام السجاد]] لرعاية مدرسة المدينة ويدلّ علی فضله العلمي بعض الأخبار صدرت من علماء معروفين من معاصريه یعترفون بدرجاته العالية.<ref>تهذيب الکمال في أسماء الرجال، المزي، ج20 : ص386 . | |||
وفيات الأعيان وأبناء ابناء الزمان؛ ابن خلکان، ج3 : 269 . </ref> کان أهل العلم یقصدونه حيث مضی حتی في سفره فيروی أن ألف نفر من القراء کانوا یخرجون معه إلی [[مکة]] لأنّهم احتاجوا إلیه.<ref>رجال الکشي: ص 117. </ref> کان له خمسة تلاميذ الذين کانوا أبرز رجال العلم في زمانهم وهم [[سعيد بن جبير]]، [[سعيد بن المسيب]]، [[محمد بن جبير بن مطعم]]، [[یحی بن أم الطويل]]، [[أبو خالد الکابلي|وأبو خالد الکابلي]].<ref>رجال الکشي: ص115 .</ref> بقيت من مدرسة المدينة في ذلك الزمان نصين هامين أحدهما مجموعة من الأدعية من الإمام السجاد اشتهرت باسم [[الصحيفة السجادية]] والآخر هو وثيقة حقوقية نصّت علی طائفة من الحقوق الأساسية عرفت باسم [[رسالة الحقوق]]. | |||
== مدرسة المدينة في فترة الإزدهار == | == مدرسة المدينة في فترة الإزدهار == | ||
بعد استشهاد الإمام علي بن الحسين نهض بمهمة إدارة مدرسته والتعليم فيها ولدده الإمام محمد الباقر واشتهر بالباقر بمعنی من بقر العلم وشقّه فعرف أصله وخفيّه | بعد استشهاد الإمام [[علي بن الحسين]] نهض بمهمة إدارة مدرسته والتعليم فيها ولدده [[الإمام محمد الباقر]] واشتهر بالباقر بمعنی من بقر العلم وشقّه فعرف أصله وخفيّه<ref>سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، ج4: ص402 . </ref>، واعترف له المورخون بالتفوق العلمي وأهلية الإمامة بين المسلمين.<ref>الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2 : ص163 .</ref> کان یفد علیه طلاب العلم من شتی البلاد وازدحم مجلسه بالقادمين من البلاد البعيدة. خرج من مدرسة المدينة في زمن الإمام الباقر أکثر من أبعمائة وخمسين عالما الذين حاولوا في نشر [[العلوم الإسلامية]].<ref>رجال الطوسي، الطوسي: ص 102 - 142 .</ref> | ||
بعد الإمام الباقر خلفه في مدرسته ولده [[الإمام جعفر بن محمد الصادق]] واستفاد من حضوره في المدينة طلاب العلم وکانوا یصاحبونه إلی [[المسجد الحرام]] وأداء [[الحج]] ویتعلّمون منه؛ مع المراجعة إلی ما روي عن العلماء في عصر الإمام الصادق، یعترف الأکثر منهم أنه الأفضل فيهم من حيث المقام والمرجعية العلمية.<ref>مناقب آل ابي طالب، ابن شهرآشوب، ج4 : ص255 .</ref> قد اشتهر مجلسه في [[المدينة]] وکان العامة والخاصة یأتونه بأسئلة دينية.<ref>اثبات الوصية، المسعودي : ص196 .</ref>تزايد وفود أصحابه إلی المدينة وتسبّب الحرکة العلمية فيها وتسمّی هذه الفترة، بفترة الإزدهار.<ref>رجال الکشي : ص 242 .</ref> يروی أنّ الإمام الصادق کان یتکفل شيئا من نفقة تلامذته وقام بضيافتهم في منزله عندما وردوا المدينة. یعدّ تلامذته بأربعة آلاف وهذا العدد یعتبر کبيرا بالنسبة إلی طبيعة الظروف السياسية التي عاشها الإمام وأصحابه في ظل [[الحکومة العباسية]]. | |||
== مدرسة المدينة بعد الإمام الصادق == | |||
لم يدم عصر الإزدهار بعد استشهاد [[الإمام الصادق]] إثر ازدياد الاضهاد الذي کان یتعرض له تلامذة الأئمة في [[العهد العباسي]] وقسوة الأحوال الأمنية التي عاشوها. اعتقل [[الإمام موسی بن جعفر]] وذهب به إلی سجن [[بغداد]] وهيمنت حالة من الخوف علی [[الشيعة]] بالمدينة وکان للعباسيين [[المدينة|بالمدينة]] جواسيس یخبرون عن الشيعة فیضرب عنقه. أصرّ الشيعة مع هذا علی مواصلة الاتصال بالإمام الکاظم عبر مراسلات سرية<ref>رجال الکشي : ص454 . </ref> وکان الإمام الکاظم يختار بعض العلماء من أصحابه لعقد مجالس في [[مسجد النبي]] فيتواصل العلم في المدينة.<ref>رجال الکشي : ص449 . </ref> اعترف [[هارون الرشيد]] الذي حبس [[الإمام الکاظم]] بمقامه العلمي مضافا علی مخالفيه الأخری.<ref>عيون أخبار الرضا، الصدوق، ج1 : ص93 . </ref> بعدما قتل الإمام موسی بن جعفر الکاظم، تصدّی لرعاية مدرسة المدينة ولده [[الإمام الرضا]] ولم تعد النشاط العلمي إلی حلقات الدرس في المدينة حتی هلك هارون الرشيد وجلس [[المأمون]] الذي أظهر الحبّ [[أهل البيت|لأهل البيت]] مقامه وأعطی للإمام الرضا منصبا وبرز الدور العلمي للإمام في المدينة وبدأ یراجع إليه طلاب العلم.<ref>إعلام الوری بأعلام الهدی، الطبرسي : 315 . </ref> کان [[الزنادقة]] في عصر الإمام الرضا ينشرون عقائدهم في البلاد الإسلامية فکان الإمام ينقض حججهم ويناظر معهم وأذعن العلماء بتفوقه العلمي.<ref>إعلام الوری بأعلام الهدی، الطبرسي : ص314 . </ref> حتی أخذ المأمون به إلی [[الطوس]] وأبعده من المدينة واستشهد هناك. بعد الإمام الرضا، ورثه في الإشراف علی مدرسة المدينة ولده [[الإمام محمد الجواد]] الذي تجاوزت شهرته العلمي حدود المدينة فعرفه أهل العلم في بقية الأمصار ورأی المأمون أنّه مع صغر سنّه أعلم من مشايخ زمانه العلماء. فزوجه ابنته [[أم الفضل]] وأعاده إلی المدينة.<ref>أصول الکافي، الکليني، ج1 : ص322 .</ref> بقي الإمام في المدينة مضطلعا بالمرجعية العلمية حتی أشخصه [[المعتصم]] إلی بغداد واستشهد هناك.<ref>الغيبة، الشيخ الطوسي: ص73 . </ref> خلّف [[الإمام علي الهادي]] أباه في رعاية مدرسة المدينة وشغل مقام آبائه حتی أمسکه [[المتوکل العباسي]] إلی [[سامراء]] وکان الإمام یشرف علی تلامذته عبر المکاتبات ويجيب أسئلتهم.<ref>الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2 : ص312 . </ref> مع أن المصادر التاريخية سکتت عن الحديث حول النشاط العلمي في هذه الفترة بالمدينة، أخبرت بعض الروايات من مائة وستين تلميذا من أصحاب الإمام الهادي.<ref>رجال الطوسي : ص 409 - 427 .</ref> فرضت علی الإمام الهادي وعلی ولده [[الإمام العسکري]] الإقامة بسامراء إلی غيبة الإمام الثاني عشر [[المهدي]]. انتقلت المرکزية العلمية بعد ذلك إلی مدن أخری. | |||
== مواقع ذات صلة == | |||
* [[المدينة]] | |||
* [[اهل البيت]] | |||
* [[مسجد النبي]] | |||
== الهوامش == | |||
{{الهوامش}} | |||
<references /> | |||
{{پایان}} | |||
== المنابع == | |||
{{اقتباس | |||
| پیش از لینک = جريدة | |||
| منبع = '''میقات الحجّ العدد ۶'''، هیئت تحریریة، پژوهشکده حج و زیارت، تهران، مشعر، ۱۴۱۷ | |||
| پس از لینک = | |||
| لینک = https://mighatulhajj.hzrc.ac.ir/issue_12072_12091.html | |||
}}''' |
المراجعة الحالية بتاريخ ١١:١٠، ٣٠ مايو ٢٠٢٢
بدأ العلم في المدينة بهجرة رسول الله إلیه وتعليمه في مسجده وتابعه الإمام علي بتأسيس بعض العلوم والتدريس. خلّفه الإمام الحسن والإمام الحسين في التعليم وصار الإمام السجاد المرجع العلمي في مدرسة المدينة یصاحبه طلاب العلم إلی مکة فيتعلّمون منه تفسير القرآن. في زمن الإمام الباقر والإمام الصادق، دخلت مدرسة المدينة فترة الإزدهار وازدحمت حلقاتهما العلمية في مسجد النبي وخرج من محضرهما کثير من التلاميذ. تضيقت الظروف للأئمة بعد الإمام الصادق فکانوا في حبس ولم یقدروا علی البقاء في المدينة وواصلوا الإتباط مع تلاميذهم عبر مراسلات. انتقلت المرکزية العلمية بعد الإمام الهادي إلی مدن أخری.
العلم في زمن النبي
عندما کان النبي ساکنا بمکة بعد، أجمع بعض أصحابه في دار الأرقم بن أبي الأرقم وأهّلهم بشکل سرّي بتعليم بعض العلوم واستمرّت هذه الدار تستقبل المومنین الجدد لیتعلموا فيها تعاليم الإسلام[١] وبعدما انطلقت الدعوة إلي المرحلة العلنية، ضاقت دار الأرقم وأراد الرسول أن یتّخذ المسجد الحرام موضعا للتعليم ولکن احتدم الصراع بين المسلمين والمشرکين واضطرّ النبي أن یخرج من مکة إلی المدينة.[٢] هناك دخلت العلوم الإسلامية مرحلة جديدة. بنی الرسول المسجد النبوي في المدينة الذي صار مرکزا فاعلا في حياة الجماعة المسلمة أجريت فیه عبادة الله مضافا علی الوعظ والتدريس. کان مسجد النبي حینئذ مدرسة والکتاب الذي کان محور الدراسة فيها هو القرآن والمعلم الأول هو رسول الله وتلامذه هم الصحابة.
مدرسة المدينة في زمن الإمام علي
بعد وفاة النبي کانت التراث الإسلامية قد فاضت من الحجاز إلی باقي الأمصار وکان المسجد النبوي هو المرکز العلمي الأهم الذي عقدت فیه الحلقات الدراسية. بقي الإمام علي بعد وفاة الرسول نحو ثلاثين سنة ونظرا إلی قرابتهما وأنّ الإمام علي کان قد تعلّم من الرسول مسائل الإسلام وقد کتب القرآن کلّما نزلت آية علی رسول الله وقد فهم تأويل القرآن وتفسیره، صار مرجعا للأسئلة حول علوم الدين وتفسیر القرآن بعده.[٣] هذا المرجعية العلمية کان رغما من إقصائه عن المسرح السياسي في حياة الخلفاء الثلاث.
وردت في الأخبار أنه علّم في مجلس واحد في المسجد النبوي، أربعمائة باب مما یصلح للمسلم في دینه ودنیاه.[٤] وإليه ینتهی تأسیس جملة من العلوم الإسلامية ففرّع علم تفسير القرآن من الإمام علي عبر تلميذه ابن عباس وبدأ علم النحو والعربية من عنده وأملاه علی أبي الأسود الدؤلي.[٥]
مدرسة المدينة في النمائة
بعد هجرة الإمام علي إلی الکوفة عام 35 هـ. ثم استشهاده في مسجد الکوفة، واصل الحسنان رعاية مدرسة المدينة والتف حولهما نخبة من تلامذة أميرالمؤمنین فذاع نبأ هذه الحلقات فکان الحسن یجلس في مسجد رسول الله ویجتمع الناس حوله ونالت حلقة الإمام الحسن اهتمام القادمين إلی المدينة وتميزت علی ماسواها من الحلقات في المسجد.[٦] أما حلقة الإمام الحسين في المسجد النبوي فقد اشتهرت حتی اضطر معاوية للاعتراف بفضل ما يعلّم الإمام الحسين.[٧]
بعد الإمام الحسين انبری ولده الإمام السجاد لرعاية مدرسة المدينة ويدلّ علی فضله العلمي بعض الأخبار صدرت من علماء معروفين من معاصريه یعترفون بدرجاته العالية.[٨] کان أهل العلم یقصدونه حيث مضی حتی في سفره فيروی أن ألف نفر من القراء کانوا یخرجون معه إلی مکة لأنّهم احتاجوا إلیه.[٩] کان له خمسة تلاميذ الذين کانوا أبرز رجال العلم في زمانهم وهم سعيد بن جبير، سعيد بن المسيب، محمد بن جبير بن مطعم، یحی بن أم الطويل، وأبو خالد الکابلي.[١٠] بقيت من مدرسة المدينة في ذلك الزمان نصين هامين أحدهما مجموعة من الأدعية من الإمام السجاد اشتهرت باسم الصحيفة السجادية والآخر هو وثيقة حقوقية نصّت علی طائفة من الحقوق الأساسية عرفت باسم رسالة الحقوق.
مدرسة المدينة في فترة الإزدهار
بعد استشهاد الإمام علي بن الحسين نهض بمهمة إدارة مدرسته والتعليم فيها ولدده الإمام محمد الباقر واشتهر بالباقر بمعنی من بقر العلم وشقّه فعرف أصله وخفيّه[١١]، واعترف له المورخون بالتفوق العلمي وأهلية الإمامة بين المسلمين.[١٢] کان یفد علیه طلاب العلم من شتی البلاد وازدحم مجلسه بالقادمين من البلاد البعيدة. خرج من مدرسة المدينة في زمن الإمام الباقر أکثر من أبعمائة وخمسين عالما الذين حاولوا في نشر العلوم الإسلامية.[١٣]
بعد الإمام الباقر خلفه في مدرسته ولده الإمام جعفر بن محمد الصادق واستفاد من حضوره في المدينة طلاب العلم وکانوا یصاحبونه إلی المسجد الحرام وأداء الحج ویتعلّمون منه؛ مع المراجعة إلی ما روي عن العلماء في عصر الإمام الصادق، یعترف الأکثر منهم أنه الأفضل فيهم من حيث المقام والمرجعية العلمية.[١٤] قد اشتهر مجلسه في المدينة وکان العامة والخاصة یأتونه بأسئلة دينية.[١٥]تزايد وفود أصحابه إلی المدينة وتسبّب الحرکة العلمية فيها وتسمّی هذه الفترة، بفترة الإزدهار.[١٦] يروی أنّ الإمام الصادق کان یتکفل شيئا من نفقة تلامذته وقام بضيافتهم في منزله عندما وردوا المدينة. یعدّ تلامذته بأربعة آلاف وهذا العدد یعتبر کبيرا بالنسبة إلی طبيعة الظروف السياسية التي عاشها الإمام وأصحابه في ظل الحکومة العباسية.
مدرسة المدينة بعد الإمام الصادق
لم يدم عصر الإزدهار بعد استشهاد الإمام الصادق إثر ازدياد الاضهاد الذي کان یتعرض له تلامذة الأئمة في العهد العباسي وقسوة الأحوال الأمنية التي عاشوها. اعتقل الإمام موسی بن جعفر وذهب به إلی سجن بغداد وهيمنت حالة من الخوف علی الشيعة بالمدينة وکان للعباسيين بالمدينة جواسيس یخبرون عن الشيعة فیضرب عنقه. أصرّ الشيعة مع هذا علی مواصلة الاتصال بالإمام الکاظم عبر مراسلات سرية[١٧] وکان الإمام الکاظم يختار بعض العلماء من أصحابه لعقد مجالس في مسجد النبي فيتواصل العلم في المدينة.[١٨] اعترف هارون الرشيد الذي حبس الإمام الکاظم بمقامه العلمي مضافا علی مخالفيه الأخری.[١٩] بعدما قتل الإمام موسی بن جعفر الکاظم، تصدّی لرعاية مدرسة المدينة ولده الإمام الرضا ولم تعد النشاط العلمي إلی حلقات الدرس في المدينة حتی هلك هارون الرشيد وجلس المأمون الذي أظهر الحبّ لأهل البيت مقامه وأعطی للإمام الرضا منصبا وبرز الدور العلمي للإمام في المدينة وبدأ یراجع إليه طلاب العلم.[٢٠] کان الزنادقة في عصر الإمام الرضا ينشرون عقائدهم في البلاد الإسلامية فکان الإمام ينقض حججهم ويناظر معهم وأذعن العلماء بتفوقه العلمي.[٢١] حتی أخذ المأمون به إلی الطوس وأبعده من المدينة واستشهد هناك. بعد الإمام الرضا، ورثه في الإشراف علی مدرسة المدينة ولده الإمام محمد الجواد الذي تجاوزت شهرته العلمي حدود المدينة فعرفه أهل العلم في بقية الأمصار ورأی المأمون أنّه مع صغر سنّه أعلم من مشايخ زمانه العلماء. فزوجه ابنته أم الفضل وأعاده إلی المدينة.[٢٢] بقي الإمام في المدينة مضطلعا بالمرجعية العلمية حتی أشخصه المعتصم إلی بغداد واستشهد هناك.[٢٣] خلّف الإمام علي الهادي أباه في رعاية مدرسة المدينة وشغل مقام آبائه حتی أمسکه المتوکل العباسي إلی سامراء وکان الإمام یشرف علی تلامذته عبر المکاتبات ويجيب أسئلتهم.[٢٤] مع أن المصادر التاريخية سکتت عن الحديث حول النشاط العلمي في هذه الفترة بالمدينة، أخبرت بعض الروايات من مائة وستين تلميذا من أصحاب الإمام الهادي.[٢٥] فرضت علی الإمام الهادي وعلی ولده الإمام العسکري الإقامة بسامراء إلی غيبة الإمام الثاني عشر المهدي. انتقلت المرکزية العلمية بعد ذلك إلی مدن أخری.
مواقع ذات صلة
الهوامش
- ↑ السيرة النبوية، ابن هشام، ج1: ص270 .
- ↑ السيرة النبوية، ابن هشام، ج1 : ص 342 .
- ↑ الخصال، الشيخ الصدوق، ص 451 .
- ↑ الخصال، الشيخ الصدوق، ص 610 .
- ↑ شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج1 : ص19 - 20 .
- ↑ کشف الغمة في معرفة الأئمة، علي بن عیسی الأربلي، ج2 : ص169.
- ↑ ترجمة الإمام الحسین من تاريخ مدينة دمشق، شيخ محمدرضا جعفري: ص 225 .
- ↑ تهذيب الکمال في أسماء الرجال، المزي، ج20 : ص386 . وفيات الأعيان وأبناء ابناء الزمان؛ ابن خلکان، ج3 : 269 .
- ↑ رجال الکشي: ص 117.
- ↑ رجال الکشي: ص115 .
- ↑ سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، ج4: ص402 .
- ↑ الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2 : ص163 .
- ↑ رجال الطوسي، الطوسي: ص 102 - 142 .
- ↑ مناقب آل ابي طالب، ابن شهرآشوب، ج4 : ص255 .
- ↑ اثبات الوصية، المسعودي : ص196 .
- ↑ رجال الکشي : ص 242 .
- ↑ رجال الکشي : ص454 .
- ↑ رجال الکشي : ص449 .
- ↑ عيون أخبار الرضا، الصدوق، ج1 : ص93 .
- ↑ إعلام الوری بأعلام الهدی، الطبرسي : 315 .
- ↑ إعلام الوری بأعلام الهدی، الطبرسي : ص314 .
- ↑ أصول الکافي، الکليني، ج1 : ص322 .
- ↑ الغيبة، الشيخ الطوسي: ص73 .
- ↑ الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2 : ص312 .
- ↑ رجال الطوسي : ص 409 - 427 .